الثلاثاء، 31 يوليو 2012

أطفال سوريون يكبرون قبل الأوان وسط المعاناة والتشرد


سوسن مكحل

المفرق- يقف حميد الموسى (15 عاما)، في طابور طويل أمام جمعية خيرية تقدم مساعدات للاجئين السوريين. هنا تبدأ مسؤولياته مبكرا، وأقلها عبئا الحصول على فرش تنام عليه أسرته التي فقدت معيلها منذ أكثر من عام في مظاهرة سلمية ضد النظام في الثورة المستمرة منذ 17 شهرا. 
ويعيل الموسى أسرته في مدينة المفرق، بعد أن ترك مقاعد الدراسة بالرغم من تفوقه، ليقبل على العمل في "سوبر ماركت"، بمبلغ دينار واحد في اليوم، لسد مصاريف أجرة المنزل البالغة 150 دينارا.
يسند "الموسى" ظهره إلى حائط غرفة توزع معونات، وفي لحظات قصيرة يمر شريط الذكريات الطازجة أمام عينيه. يقول لـ "الغد" بهيئة رجل عاش محنا كثيرة:"عنف وقتل في كل مكان. كنت أرى ذلك في الأفلام، لكنها في الواقع مرعبة"، مستذكرا مبررات التفكير في اللجوء بعد اختفاء والده أثناء مظاهرة، ومن ثم معرفتهم بمقتله لاحقا.
ولم تكن رحلة اللجوء إلى الأردن آمنة، فهي محفوفة بالمخاطر من الجانب السوري، ولا يسلم من ذلك الأطفال. ويروي الموسى كيف كان الجيش النظامي السوري يعتقل أشقاءه ويقذف بهم إلى المجهول، لولا تدخل عناصر الجيش الحر الذين يتواجدون بالقرب من منطقة الشيك، حيث دفعوا رشاوى لفك اعتقال الأطفال، وتهريب عائلة الموسى بأكملها إلى الأردن.
حميد الموسى طفل من أطفال كثيرين مروا بمحن مبكرة على عمرهم؛ ففي المفرق يتحدث أطفال عن مشاهداتهم لعمليات الاعتقال والتعذيب والقتل والدمار العام لمدنهم السورية. هم شهود عيان بمصداقية كبيرة، هكذا يبدو الطفل خالد رجوب (14 عاما)، الذي يرتدي كنزة صوفية في الصيف بما يدل على انه لا يمتلك الآن سواها.
خرجت أسرة الرجوب من منطقة الحميدية في حمص، متجهة إلى الأردن، هربا من جحيم القصف الأعنف الذي نالته المدينة التي بات ينظر إليها بأنها مركز الثورة السورية. يقول الرجوب: "شاهدنا بأم أعيننا عمليات الذبح والقتل للأسرى، حتى ما عدنا نأمن على أنفسنا ففكرنا بالهرب إلى هنا".
ولم تسلم أسرة الرجوب، كما يقول ولدها خالد، مشيرا إلى أنهم مروا بأوضاع صعبة، وكادوا أن يتعرضوا للقتل أكثر من مناسبة، إلا أن الجيش الحر أسهم في إيصالهم إلى منطقة الحدود، ليعبروا إلى الأردن بأمان".
لكن المأساة لاحقت العائلة حتى بعد خروجها، فقد اتصل بهم أحد المقربين ليخبرهم أن بيتهم تعرض للهدم بالكامل من قبل قوات النظام، التي هدمت أيضا المنازل المجاورة.
الصمت قال الكثير عن معاناة علي أحمد (12 عاما)، وهو يستذكر هروبه مع شقيقاته الست إلى الأردن. لا يكاد يعرف بالتحديد ما الذي حدث معه، بقدر حنينه الكبير لأن ينضم والده إليهم ويعيش معهم.
أحمد صاحب العينين الزرقاوين والشعر الذهبي، لم يستطع إكمال حديثه، بدا كأنه يعيش صدمة حادة. ويروي صديق عائلته، عدنان الكسيح، الذي أسهم بتأمين الفتيات الست وأخيهن إلى الأردن، قصة العائلة بقوله: "والد أحمد مطلوب أمنيا في سورية، بعد التحاقه بالجيش الحر، حاولنا تهريبه مع عائلته، إلا أن الوضع كان صعبا فاضطررنا إلى تهريب عائلته خوفا عليهم".
دفع الجيش الحر، وفق الكسيح، "رشاوى طائلة" إلى الأمن السوري، لتمكين أحمد وشقيقاته من الفرار إلى الأردن، بدون والدهم المنضم إلى الثوار ويصعب تأمين خروجه. 
يسكن أحمد مع عائلته في بيت عمهم المتواضع، الذي فر قبلهم إلى الأردن، ويعمل في محل تجاري، لتأمين مصاريف عائلتين تواجههما ظروف معيشية صعبة في مدينة المفرق.
وللطفل عمر طالب (16 عاما)، الناشط إلكترونيا على صفحات الفيسبوك، قصته في الوقوف بوجه الممارسات التي يقوم بها النظام السوري ضد مواطنيه. استدعاه الأمن السوري للتحقيق معه، ما جعل عائلته تفكر بالهروب إلى الأردن قبل وصول قوات الأمن إليه.
ويؤكد طالب مشاركته في أكثر من مظاهرة سلمية في مدينة حمص "دفاعا عن الشهداء، ورفضا للممارسات التي قام بها الجيش السوري، وقتله للشعب والمتظاهرين سلميا". كما يقول. 
ويتابع أنه بعد سلسلة نشاطات قام بها وأصدقاؤه لدعم الثوار ماديا ومعنويا، اعتقلت القوات الأمنية ثلاثة من أقرانه، لم تتجاوز أعمارهم 16 عاما.
قررت أسرة طالب الهروب من سورية بعد فترة وجيزة من اعتقال قوات الأمن لأصدقائه وتعذيبهم. وهنا ما يزالُ الفتى يعيش حمى الحالة التي كاد أن يخسر بها حياته، لكنها لم تزده إلا إصرارا فيقول:"لن أكف عن فضح ما يقوم به النظام السوري تجاه شعبه وبالذات الأطفال أحباب الله".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com