الاثنين، 29 يوليو 2013

اللطف الزائد يحمل الفرد أعباء فوق طاقاته

يلعب اللطف دورا كبيرا في تقوية علاقاتنا بمن حولنا وتميزها - (أرشيفية)

ربى الرياحي
عمان- لكل شخصية منا صفاتها وطباعها التي تميزها عن غيرها، فاختلافها هو الذي يضفي على علاقاتنا معنى ويمنحها تجددا.
ولأن الشخصية هي السر الخفي الذي يكسبنا محبة الآخرين ويدفعهم للانجذاب نحونا، فإننا نحاول بذل أقصى ما يمكننا للوصول إلى شخصية لطيفة تتعامل مع من حولها بلباقة ورقي، فنحن بطبيعتنا تشدنا تلك الشخصيات التي تعرف كيف تتعامل مع من حولها، كلامها دافئ شفاف يفيض رقة وعذوبة، وتصرفاتها موزونة لا تخرج عن نطاق اللطف واللباقة، تراعي مشاعر الجميع، وتحاول دائما إخفاء الحقيقة المرة عمن تحب، اعتقادا منها أنها بذلك تحميهم وتنقذهم من أي موقف قد يتسبب في جرحهم وإهانتهم، فتحمل نفسها بذلك عبئا ثقيلا يصعب حمله، وفي كثير من الأحيان قد يلجأ أصحاب هذه الشخصيات إلى التنازل عن حق من حقوقهم ليسعدوا من حولهم، وما يدفعهم إلى ذلك هو لطفهم الزائد الذي يستنزف طاقاتهم، ويجعلهم عرضة للاستغلال، فكثيرون هم الأشخاص الذين تسول لهم أنفسهم وتعطيهم الحق في التمادي على الآخرين واستغلال لطفهم الزائد.
ومهما كان الدور الذي يلعبه اللطف في تقوية علاقاتنا وتميزها، إلا أننا بحاجة ماسة إلى ضبط هذه الصفة، التي لا تدل سوى على رقي أصحابها، فجميعنا نحاول التحلي بها واعتبارها جزءا من كياننا، لأننا عن طريقها نستطيع الوصول إلى قلوب الآخرين، وبذلك نكون أقرب إليهم، فتتجاذب أرواحنا المتلهفة للطف، علها تذيب ذلك الجليد الذي تراكم نتيجة افتقاد علاقاتنا لهذه الصفة الجميلة التي تسعى إلى إمدادنا بالدفء اللازم، لتبديد تلك البرودة التي تعصف بكلماتنا وتسيطر على تصرفاتنا.
وحتى تهدأ أرواحنا وتنجح علاقاتنا الاجتماعية، فلا بد لنا من تزويدها باللطف المدروس الواعي، فأحيانا كثيرة قد يمنعنا لطفنا الزائد من الإفصاح عما يضايقنا ويزعجنا فقط لأننا نحرص على إرضاء الناس، ولهذا السبب نفضل دائما إخفاء مشاعرنا رغم ذلك البركان المشتعل الذي يتأجج ألما، فلطفنا الزائد غالبا ما يجبرنا على الظهور بمظهر الإنسان الهادئ الرصين الذي لا يسمح لأحد أن يخرجه عن حدود اللطف واللباقة، لذلك يحاول باستمرار كبت غضبه والانقياد لأفكار وقناعات الآخرين حتى لو لم تكن تلك الأفكار والقناعات تتفق مع ما يقتنع به، المهم أن تبقى صورته في أعين الناس كما هي لا تتغير، متجاهلا تماما حجم التعب والإرهاق الذي سيستنزف أرواحنا ويقيدها بدون النظر إلى ما يرضينا نحن أو يسعدنا.
وأصحاب هذه الشخصية متهمون بالانهزامية، لأنهم يدعون الهدوء في الوقت الذي يكون فيه الغضب قد اجتاح نفوسهم واستوطن قلوبهم، فهم يخشون دائما إيذاء مشاعر الآخرين، ولذلك يحاولون بشتى الوسائل إرضاء من حولهم حتى لو كان ذلك على حساب راحتهم وهدوء أعصابهم.
وما علينا أن ندركه هو أن اتصافنا باللطف لا يمكن أن يكون نقطة ضعف تهز شخصيتنا وتحولها إلى شخصية انهزامية منقادة للآخرين، بل على العكس تماما فقد تكون مصدر قوة يشد انتباه المحيطين بنا، ويدفعهم إلى التقرب منا، باذلين قصارى جهدهم في إقامة علاقات صداقة جادة مبنية على أسس صلبة ثابتة لا تهدمها الأمواج العاتية أو الأعاصير المدمرة تشبه الجبال في شموخها، فهي علاقات حقيقية صادقة تجمع بين اللطف والحب والاحترام لترتقي وتسمو عن كل ما هو زائف.
ورغم أننا لا نختلف على أن اللطف جزء مهم من تعاملنا، إلا أن الإفراط فيه قد يتسبب في إصابة أصحاب هذه الشخصيات بالكثير من الصدمات، فنحن عندما نستسلم لأنانية بعض النفوس المريضة التي تعتبر لطفنا ضعفا وخوفا، فمن الطبيعي أن يستغلونا لأننا نحن من منحهم هذه الفرصة، ولهذا السبب تهدر حقوقنا وتضيع بدون أن نحاول إعادتها، وكل ذلك لأنهم يريدون أن يستحوذوا على مساحة أكبر في قلوب من حولهم، فتراهم يفرطون في حقوقهم ويتهاونون.
وحصولنا على حقوقنا والمحافظة عليها لا يتعارض أبدا مع ما نتصف به من لطف ورقة، وحتى لا يجبرنا لطفنا الزائد على جني أشواك الاستغلال المؤلمة، فلنتذكر دائما أن في هذه الحياة أشخاصا لا يقدرون قيمة الأشياء ويتفننون في إيذاء الآخرين، ولذلك فهم لا يستحقون أن نبالغ في إظهار لطفنا من أجلهم، حينها سنعي جيدا أن اللطف لا يعني أن نسمح للآخرين بمحاصرة حقوقنا وتسميتها لنا، لأننا أقدر على الحفاظ عليها، وحتما سيعلمنا لطفنا الواعي أن نطلبها بدون أن نؤذي أحدا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com