الأحد، 29 يناير 2012

من أجل الوصول الى الحكمة التأمل تقنيّة علاجيّة معاصرة

يدعو هذا الطبيب مرضاه إذاً إلى العمل على تطوير حس المنطق لديهم. فبعد تجديد التركيز على باطن الذات وتدريب العقل، تنفتح جميع الأبواب النفسية مع كل مسيرة روحية. في هذا الصدد، يقول بيار كوري: «المنطق (أي التوفيق بين قيمنا العميقة وحياتنا) هو الذي يجدد الرابط مع العالم ومع الآخرين
يقال دائما انه، بعدما غرقت إحدى النساء في فوضى عاطفية عارمة طوال أشهر بسبب انفصالها عن حبيبها، بدأت تستعيد عافيتها تدريجاً بفضل تمارين مكثّفة من التأمل الذي يبث الراحة في النفس.
 نظرة إلى هذه التقنية نشرتها  صحيفة «Figaro» التى تعنى بالصحة النفسية والعصبية, وفيها تقول:
«جلستُ من دون تحريك أي ساكن طوال أيام كاملة، وكنت أترك الأفكار السلبية ومشاعر الغضب والأسى تسيطر علي. أردت استيعاب تلك المشاعر، فرحتُ أتأمل بها إلى أن تخلصت منها. كانت جماعة «الشانغا» (جماعة من ممارسي التأمل) تدعمني دوماً حين أشعر بالسوء». هكذا تصف هذه المرأة حالتها قبل أن تستعيد عافيتها بفضل تقنية التأمل.

من أجل حكمة معاصرة 
إعادة إحياء هذه التقنية لا تفاجئ ياسمين لينارد، مؤلفة كتاب «من أجل حكمة معاصرة» (Pour une sagesse modèrne) (دار نشر «أوديل جاكوب»)، فقد أنشأت لينارد نفسها جماعات تأمل في مستشفى كوشان الفرنسي. بالنسبة إلى هذه الطبيبة النفسية، لا شيء يثير الصدمة عند الدمج بين تقنية روحية تعود إلى عهد بوذا وعلاج معرفي لمكافحة الاكتئاب أو حالات الرهاب.

«رؤية شاملة»
أصبحت هذه الطريقة حاجة ملحّة. تشرح ياسمين لينارد الأمر قائلة: «العقل وفق نظرية ديكارت يعمل بطريقة معينة خلال فترة محددة. يواجه معظم المرضى أفكاراً مرتبطة بضبط النفس والقدرة على التحكم بالذات وإيجاد استراتيجيات تسمح لهم بمكافحة القلق. لكن تأتي لحظة يشعرون فيها بالحاجة إلى رؤية شاملة وبلوغ مستوى جديد من الوعي لاستيعاب الآخرين، فضلاً عن تحديد الظروف التي يعيشون فيها وطبيعة العالم من حولهم. في هذا الإطار، تؤدي الحكمة دوراً مهماً في شفائهم».

الحالة النفسية عند المرضى
منذ أن ضمّت ياسمين لينارد تقنية التأمل إلى جلساتها العلاجية قبل ست سنوات، لاحظت تحسناً واضحاً في الحالة النفسية عند المرضى: «عندما يلجأ المرضى إلى هذا التمرين العقلي وينجحون في تجديد تركيزهم على ذاتهم الداخلية حين يرغبون في ذلك، يمكن أن يتوقف معظمهم عن العلاج بمضادات الاكتئاب».
غالباً ما تكون قدرة الإنسان على تعزيز رابطه الداخلي مع العالم محور معظم التقنيات الروحانية الأخرى. في الآونة الأخيرة، نشر الخبير في مجال الأديان برنار بودوان كتاباً عن «الروحانيات الآسيوية الكبرى» (دار نشر «دو فيشي»)، ويقول: «لكل تيار قوانينه الثابتة ونصوصه الأساسية لتحقيق الهدف الأسمى». كان البشر الأولون يحتاجون إلى شعائر معينة لاكتساب قوة تحميهم وسط الطبيعة الوحشية.

ملجأ آمن، أو مكان دافئ
في عالمٍ يسير بوتيرة متسارعة ويميل إلى إهمال البعد الداخلي، تتيح الروحانيات للإنسان استعادة مكانة أساسية لا تستطيع النزعة المادية السائدة توفيرها. هكذا ينشأ ملجأ آمن، أو مكان دافئ خاص بكل شخص، نتيجة الانعزال في جو من الهدوء وممارسة تقنيات التأمل أو كتابة اليوميات الشخصية، ما يمهّد في نهاية المطاف إلى ترك المساحة الداخلية اللازمة لتطوير الروح.
يعتبر المحلل النفسي بيار كوري أن معظم مرضاه يعانون انفصالاً مأساوياً بين الجسم والروح وبين أفعالهم وقيمهم. ويستنتج المحلل النفسي أنهم «يشعرون بالضياع بسبب انفصالهم عن داخلهم، لكن من خلال الحفاظ على التواصل مع ذلك البعد الخفي الذي يسكن أعماقنا يمكن تحمّل أصعب الظروف».

كيف أستفيد من حريتي؟
يدعو هذا الطبيب مرضاه إذاً إلى العمل على تطوير حس المنطق لديهم. فبعد تجديد التركيز على باطن الذات وتدريب العقل، تنفتح جميع الأبواب النفسية مع كل مسيرة روحية. في هذا الصدد، يقول بيار كوري: «المنطق (أي التوفيق بين قيمنا العميقة وحياتنا) هو الذي يجدد الرابط مع العالم ومع الآخرين. لكني ألاحظ أن العلاج ينتهي حين يتسجل الفرد ضمن جمعية مختصّة أو يشارك في مهمّة جماعية». هذا ما يؤكد على استنتاج ياسمين لينارد: «كلّ من يتخلص من حالة الاكتئاب يواجه سؤالاً جوهرياً: كيف أستفيد من حرية التصرف من الآن فصاعداً؟».

العلاجات الواعدة
يترافق العمل على تطوير حس المنطق مع ميزتين أساسيتين أصبحتا نادرتين في المجتمعات المعاصرة، إذ يكتسب الفرد استقلاليته فيصبح قادراً على إقامة حوار داخلي من دون الخوف من رأي الآخرين، ويكون هذا المكسب مجانياً. في هذا السياق، يقول برنار بودوان: «على عكس العلاجات الواعدة التي تشير إلى أن الحالة ستتحسن بسرعة بفضل وصفات معينة، تشكل التمارين الروحية الحقيقية استثماراً ذاتياً طويل الأمد ينحصر في إطار النفس الداخلية». وذكر بودوان مقولة بوذا الشهيرة: «لا تؤمنوا بأمر لم تجرّبوه بأنفسكم!».
لكن لا بد من الحذر في التعاطي مع هذا التقارب بين العلاج النفسي والروحانيات في القطاع الطبي، وتحديداً في بلد براغماتي ومنطقي مثل فرنسا. عن هذه النقطة قالت لينارد: «يجب التفكير باللجوء إلى التأمل كي يحافظ كل علاج على طابعه العلمي وكي ينفتح في الوقت نفسه على بُعد إنساني وروحي. هذا هو التحدي الذي نواجهه من الآن فصاعداً»

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com