الثلاثاء، 31 يناير 2012

آباء وأبناء غرباء في المنزل

منى أبوحمور

عمان- انشغال أبوأحمد في العمل طوال ساعات النهار وعودته غاضبا ومتعبا يوميا إلى المنزل، جعل العشريني أحمد الزعبي يشعر بنوع من الملل من ذلك الروتين الذي أفقده التواصل مع والده.
"منذ أن يعود والدي إلى المنزل لا يمكنني أن أتبادل أطراف الحديث معه حتى وإن كنت بحاجة إلى ذلك"، الأمر الذي جعل الفجوة بينه وبين والده تكبر يوما بعد يوم.
ويجد أحمد أن من حقه أن يكون الحوار حاضرا بينه وبين أبيه، لاسيما وأنه في هذا العمر بحاجة إلى من يستمع إليه ويقدم له النصيحة، وهو ما يفتقده أحمد ويبحث عنه خارج المنزل بين أصدقائه.
في حين كانت العزلة وغياب التواصل في أسرة العشرينية هند فاضل، تشعرها بأن المنزل الذي تعيش فيه مجرد فندق تنام في إحدى غرفة، مفضلة أن تقضي معظم ساعات النهار في الجامعة على أن تعود للمنزل حتى وإن أنهت محاضراتها باكرا.
ما تشعر به هند لم يأت من فراع، فهي تعيش غربة داخل منزلها، حيث لا تجد من يتحدث معها، أو يشاركها همومها وآمالها وطموحاتها في الحياة، ما جعلها تفضل البقاء مع صديقاتها في الجامعة، حتى وإن انتهت مبكرا من محاضراتها.
"أجد في الجامعة ملاذا لأتشارك مع صديقاتي الأحاديث والبوح عما في داخلي، وما يفرحني ويضايقني، الأمر الذي لا أجده البتة في المنزل، مع والدي أو حتى والدتي"، وفق قول هند.
وتستهجن "هند" من عدم اكتراث والدها بها، فهي ما ان تعود للمنزل، حتى تتأهب لليوم التالي، الذي ستذهب به إلى الجامعة، حيث تجلس بين كتبها وتتصفح ما أخذته من محاضرات، منتظرة أن يتحدث معها والدها أو يطمئن عليها، لكنها تعودت عدم السؤال منه"، معللة أن دخولها الجامعة جعل والدها يعتبرها شخصا مستقلا لا يحتاج إلى من يسانده أو حتى من يسأل عنه.
في حين يمتعض وليد جلال (18 عاما)، تجاهل الآباء والأمهات لأبنائهم وهو ما يعاني منه في البيت.
ويصف وليد علاقته بأهله بالرسمية حيث يلتقي بهم أثناء دخوله وخروجه من المنزل، مؤكدا أن علاقته بهم بعيدة كل البعد عن الحوار والمناقشة في أي أمر كان حتى وإن كان متعلقا بحياته بشكل مباشر.
ويقول "أحسد أصدقائي كثيرا، عندما يقولون إنهم يتناقشون مع والدهم، بشأن ما، فهذا أمر أشبه بالخيال بالنسبة لي"، وكلما حاولت أن أفتح بابا للنقاش أجد أنه يغلقه كالعادة قبل أن يفتح".
الأسباب التي تؤدي إلى الغربة بين الآباء والأبناء، وفق اختصاصي علم الاجتماع الأسري الدكتور فتحي الطعامنة، تكمن في التفكك الأسري ما بين أفراد الأسرة والخلافات التي تحدث بينهما، حيث يبحث كل من الزوجين أو أحدهما عن حلفاء، ومؤيدين لهم في مشاكلهم العائلية، إضافة إلى عدم تفهم الآباء لمتطلبات الأبناء، الأمر الذي يخلق فجوة بين الطرفين، ونوعا من الغربة يعيشها أفراد الأسرة الواحدة.
ويصف طعامنة، الأسرة بالمركز الرئيسي لتوليد القيم، وتبادل الخير وتناقله، وهي محط التربية والتنمية، وأن وجود غربة بين أطراف الأسرة يفقدها القيم التي من الأصل أن تبنى عليها.
ويعزو الخلافات بين الآباء والأبناء، إلى عدم التوافق بين جيل وآخر، وكذلك إلى الاختلاف في طبيعة اللباس، والاهتمامات والطعام، إذ يعيش الشباب في عصر التسارع، الذي يؤثر على سلوكياتهم بصورة مباشرة، في حين نجد أن الوالدين يريدان إجبار أولادهما على حمل أفكارهما، وهذا شيء لا يمكن أن يتحقق، لأن الأبناء يرغبون في التحرر، ويرفضون "العيش في جلباب أبيهم".
ويدعو الطعامنة إلى تحقيق المواءمة بين تفكير الآباء ومتطلبات الأبناء، لافتا إلى أهمية التركيز في التربية على القيم والثوابت، التي لا تتغير مع اختلاف الزمن وتطوره، مع تقديس وتعظيم الصدق والسلوكيات، وأسس التربية الحديثة، التي تعد منظومة القيم لا تتغير ولا تتبدل.
ومن جانب آخر يجد طعامنة أن هناك متغيرات حياتية مثل دراسة الأبناء وعلاقتهم مع الآخرين ووسائل العلم الحديث، منوها إلى ضرورة عدم خلط الأهل بين العوارض التي تطرأ على الأبناء والثوابت من القيم، مفسرا ذلك بأن العديد من الآباء يتوقفون عند شكل ابنهم وطبيعة لباسه وتسريحة شعره، في حين يهمشون القيم التي قد يمتلكها الابن او حتى التي لا يمتلكها عرض الحائط.
وينصح أن يبقى الآباء منفتحين مع أبنائهم، حيث يسمعون آراءهم ومشاكلهم، ويحاولون بناء جسور من الثقة معهم، بوصفهم قدوة للأبناء بالاخلاق والسلوك الحسن.
"المجتمع أمام تسارع ضخم في المعلومات والمعرفة، التي يتأثر بها الأبناء بشكل عام ولا تلتقي مع أفكار الآباء، فتحدث فجوة بينهما، مبينة أن بُعد الأب وغربته عن أبنائه، تسيطر عليها علاقة الحيرة والغربة، وفق اختصاصية التربية الدكتورة أمل بورشيك العلمي. 
وتجد العلمي أن الغربة التي يخلقها الأب بينه وبين أبنائه، وبعده عنهم، تبعث العديد من المشاكل في الأسرة، التي هي في الأصل مكان سكينة وطمأنينة، واستقرار لجميع أفرادها، مضيفة أن البعد يجعل الأب غير قادر على التواصل، ما يخلق هوة بين الطرفين، حيث تحدث إحباطات داخلية لا تساعد على الارتقاء بالعلاقة الأسرية.
"الابن بحاجة إلى دعم مادي ومعنوي ونفسي، ليتخطى التحديات والصعوبات التي قد تواجهه"، مؤكدة أن الغربة تولد شعورا بالنقص لدى الأبناء، لاسيما عندما ينظرون إلى غيرهم ممن تجمعهم علاقة طيبة بآبائهم، إلى جانب أن الأبناء بحاجة دائمة إلى الخبرة والأمان، وهو ما لا يمكن توفره إلا من قبل الأب، بحسب العلمي.
أما اختصاصي علم النفس الدكتور جمال الخطيب، فيجد أن غياب الحوار والتقارب بين الاب والأبناء، يحمل العديد من المشاكل النفسية التي قد تلحق بالأبناء نتيجة هذا البعد، الذي يجعل تفكير الأب وأبنائه عند نقطة افتراق.
ويرى أن مثل ذلك يؤدي إلى أن يعيش كل منهما في عالمه الخاص، حيث لا يفهم أحدهما الآخر، فيعتقد الأب أن ابنه ليست لديه مشاكل، ولا يشكو من شيء، في حين أنه يعاني الكثير، وكذلك يمكن أن يجهل الابن وضع أبيه المالي، فيبقى دائم التطلب ولا يراعي ظروف الحياة وما فيها من صعوبات.
ويقول "إن غياب دور الأب يجعل الأبناء يعيشون بغربة، ترهق علاقتهم بآبائهم لاحقا"، مؤكدا أن الحوار وتبادل الأفكار من المسائل الرئيسية التي تجنب الأبناء الوقوع في مشاكل نفسية، وتعزز لديهم الشعور بالأمان والقرب العاطفي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com