الخميس، 3 أكتوبر 2013

الرحم والمبيض.. أساس الأنوثة والإنجاب

صورة

دكتور كميل موسى فرام - الرحم والمبيض توأمان بالوظيفة والمصير حيث العلاقة التشريحية والوظيفية بينهما هي علاقة تكاملية بحكم الإلزام الذي يمنع لأي من العضوين أن يؤدي وظيفته المثالية عبر مفاصل الزمن الفسيولوجية بمعزل عن الآخر، حيث قدرهما بالمحافظة على الجنس البشري فوق كوكبنا الجميل يجعل الاستقلال أو التمرد سرابا بغيوم صيف ماطر، فلا يمكننا أن نطلق على أي منهما لقب عنوان الأنوثة بالرغم من حساسية العمل الوظيفي في فترات العمر، ليؤدي الوظيفة بالقدر الذي تسمح فيه الظروف الصحية والعائلية ضمن برنامج الزمن.

 المرحلة الأولى للجمال
 تترجم البداية الوظيفية بحدث الدورة الشهرية والتي تفسر باكتمال مراحل النضوج الأنثوي ،وهي المرحلة الأولى للجمال بعد فترة الطفولة والمراهقة، يرافقها استمرارية انتظام الدورة الشهرية في سنوات الإنجاب الممتدة حتى منتصف العقد الرابع من العمر بفعل هرمون السحر «الاستروجين» الذي يفرز من المبيض على مدار الساعة منذ الولادة حتى الوفاة وبكميات مختلفة وقدرات تأثيرية متفاوتة حيث تنتشر المستقبلات الهرمونية المتخصصة لأداء الدور الوظيفي ضمن منظومة الجهاز الهرموني والعصبي، خصوصاً بتأثيره على بطانة الرحم في سنوات الإنجاب من أجل تهيئة بيئة الرحم لحمل محتمل لبويضة تنمو وتمر بمراحلها المختلفة إضافة لإفراز هرمون البروجيستيرون للحد من التأثير المطلق للأستروجين بالاضافة لمساهمته الأساسية بترتيب إحداثيات العمل الوظيفي، فإن لم يحصل المنتظر، تنخفض نسبة الهرمون وتضعف البطانة الرحمية نتيجة ضعف التغذية لتبدأ الدورة الشهرية بالنزول، ويبدأ النشاط الهرموني في المبيض لإنتاج بويضة جديدة ضمن دروة حياتية كاملة بالزمن والأحداث والتغيرات، فهكذا الحال خلال سنوات الإنجاب.

 محطة سن البلوغ
 بعد توقف المبيض عن إنتاج البويضات الشهرية، والذي يعني وقف التأثير الفسيولوجي على بطانة الرحم حكماً، فإنه يستمر بإفراز هرمون السحر للمحافظة على الصفات الأنثوية والجمالية بالتحديد، فالمحطة الفسيولوجية الأولى لحياة الفتاة بعد الولادة هي محطة سن البلوغ، وهي المرحلة الانتقالية من الطفولة إلى النضوج ويحدث خلالها العديد من الأمور التي تحدد حياة الأنثى المستقبلية، وتتحدد معها الصفات الجمالية استحقاقا يلزم المحافظة عليها لأنها نعمة ربانية، وبالرغم من تعدد المفاصل التغييرية وتكامل وظائف الأعضاء إلا أن استمرار تدفق هرمون الاستروجين من خلايا وظيفية متخصصة في المبيض هو الحدث الأنثوي الأهم في الحياة النسائية لما له من آثار مهمة آنية ومستقبلية، فزيادة النمو الفسيولوجي والبنائي والجسماني، متزامنا بظهور العلامات الجنسية الثانوية ضمن ترتيب ونظام معين يؤشر لتوافق العلاقة ويبشر لسلاسة الأحداث الزمنية بتوقيت يسمح بمرور عربات قطار العمر بمحطاته، علماً أن موعد الدورة الشهرية الأولى في حياة السيدة هو الوحيد الذي يمكن أن يحدد توقيته فيما بعد لحكمة تجعل الأداء يعجز عن التفسير.

 التحفيز للاباضة
 المرحلة الفسيولوجية الثانية فهي مرحلة الإنجاب والتي تتمخض عن علاقة هرمونية، تبادلية بين الغدة النخامية في الدماغ والمبيض والرحم، إضافة لمساهمة مؤثرة للغدة الدرقية وغدة البنكرياس ،بالاضافة لدور محوري للجهاز المناعي. ينتج عن -حسن انتظامها -حدوث الحمل والإنجاب لو قدر له بالظروف المناسبة ،بفعل هرموني التحفيز للاباضة من الغدة النخامية إلى استجابة متوقعة من المبيض بإفراز بويضة ناضجة جاهزة شهرياً إلى استعداد في بطانة الرحم بفعل هرموني المبيض للحدث المنتظر، والمعادلة الثلاثية هذه تستمر في حياة الأنثى حتى بداية المرحلة الثالثة، مرحلة الأمل والتي تتفاوت في التوقيت والعمر وبها يتعذر على الأنثى الحمل لنفاذ مخزون المبيض من البويضات والاكتفاء بالوظيفية الهرمونية، ومن هنا فإن التركيز على وظيفة الرحم والمبيض لا يلغي أبدا أهمية الأعضاء الباقية ولكل منها دوره المحدد في الحياة، على أن نتذكر أن مفاصل المحطات العمرية تترجم بشكل دقيق البخريطة الجينية للفتاة منذ التكوين داخل الرحم ويصعب العبث بسلمها أو إعادة ترتيب لتضاريس الطبيعة الربانية.
يولد الإنسان ذكراً أو أنثى حسب صفاته الجنسية الأولية ألا وهي أعضائه التناسلية الخارجية والداخلية التي تتحدد شيفرتها الوراثية ضمن أجواء الرومانسية بشموعها الحمراء ونسمات الانسجام التي تشكل سحابة ماطرة بالعواطف والحنان، ثم ينمو جسم الطفل تدريجيا حتى مرحلة البلوغ حين تبدأ صفاته الجنسية الثانوية في الظهور والتميز، والتي تبدأ في الفتاة بالظهور قبل عام أو عامين من نزول أول دورة شهرية، ويتحكم في هذه الصفات الثانوية مجموعة من الهرمونات التي تفرز من الغدد الصماء حيث أن الصفات الجنسية الثانوية هو حدث أساسي دائم، بمعنى أنه بمجرد ظهورها للواقع فهي تبقى حتى ولو أزيلت تلك الغدد الصماء فيما بعد. والهرمونات التي تتحكم في هذه الصفات الثانوية فهي الهرمونات العصبية التي يفرزها المهاد وهو جزء من الجهاز العصبي المركزي أسفل المخ، وتسمى أيضاً العوامل المنبهة وتقوم بتنبيه الغدة النخامية (التي تستقر تشريحياً في أسفل المخ داخل الجمجمة)، وكذلك عدد من العوامل مثل قشرة المخ الخارجية، نوعية الغذاء، الانفعالات والعواطف، والهرمونات التي يفرزها المبيضان، وأهمها على الإطلاق هرموني الاستروجين والبروجيستيرون، وعليه، تبدو الأمور في قالب واضح يفسر سبب تأثر البلوغ بما يحتويه من نزف وإباضة عوامل يجب الحذر منها في تلك الفترة الحرجة في عمر الفتيات.

 شرفة لقناة فالوب
 أما المجموعة الأخرى من الهرمونات فهي هرمونات الفص الأمامي، من الغدة النخامية وذات العلاقة وهي الهرمونات التي تقوم بتنبيه المبيضين وتجهيز البويضات للتلقيح، ليدخل فصل الوظيفة الهرمونية المباشرة وهي المسؤولة عن ظهور الصفات الجنسية الثانوية فتدخل الفتاة المرحلة الإنجابية وهي مسؤولة أيضاً عن نمو وتهيئة المهبل ونمو الرحم وتهيئته لتأدية وظيفته الطبيعية.
 والإباضة عبارة عن العملية التي يقوم من خلالها المبيضان (أحدهما أو كلاهما) بإعداد وتنمية بويضة لتكون جاهزة للتلقيح بواسطة حيوان منوي، من الزوج لتكوين الجنين (النطفة)، حيث بعد ذلك تنغرس النطفة في جدار الرحم لحقيقة التوازي أثناء عملية إعداد ونمو البويضة في المبيض فتكون هناك في نفس الوقت عملية إعداد وتهيئة في الرحم، حيث سيتم غرس البويضة التي تم تلقيحها بنجاح.
 البويضة الناضجة تسكن في شرفة الطرف الجانبي لقناة فالوب وهو المكان الطبيعي للاتحاد مع الحيوان المنوي بحراسة إفرازية محكمة، وفي نفس الوقت فهناك استعدادات فسيولوجية في الجدار المبطن للرحم من الداخل تسمح للحيوان المنوي بالمرور بسلام لمقابلة البويضة الجاهزة في الطرف البوقي للقناة بتأثير جاذبية قد عجز العلماء بالاستقرار على أسراره، وهي أيضا جاهزة لاستقبال الوافد الجديد، وهذا الإعداد يتمثل في صورة زيادة سمك بطانة الرحم وكثرة الأوعية الدموية الرقيقة بها، فإن لم يأتِ الحيوان المنوي فلن يحدث التلقيح ولن تتكون النطفة وبالتالي لا يأتي الغائب المنتظر، فيضعف وينهار الغشاء المبطن لجدار الرحم من الداخل، وينزل من خلال عنق الرحم والمهبل، ويظهر في هيئة دم الدورة الشهرية عند الفرج حزنا على فشل بالبرهان.
 يحدث هذا الأمر بشكل دوري، شهري،منتظم (تقريباً) أي تهيئة بويضة وتهيئة الرحم للحمل، فإذا جاء الحيوان المنوي لظروفه تم التلقيح وحدث الغرس، وإذا لم يحصل اللقاء، تنعكس المعادلة الهرمونية وتنسلخ بطانة الرحم لتبدأ أحادث الدورة الشهرية وكأن الرحم يبكي دماً لحرمانه من أداء وظيفته أو رسالة استعداد للشهر القادم.
 هناك أيضاً التغيرات النفسية والاجتماعية فهي تغيرات تشمل سلوك الفتاة وتصرفاتها وتعاملاتها مع الآخرين، وتقسم الفتيات في هذا المجال إلى فئتين: فمن الممكن لهذه التغيرات أن تدفع فئة من الفتيات إلى العزلة والخجل والابتعاد عن مخالطة الناس حتى لا يلاحظ أحدا ما طرأ عليها من تغيير جسماني، وهذا سيؤثر عليها وعلى نفسيتها فيما بعد، خصوصا بعجز الأم عن أداء الدور المناسب واللازم لتوعية ابنتها لمواجهة هذه المرحلة، ومن الممكن أن يظهر رد فعل آخر ومعاكس تماماً للفئة الأولى وهو الإحساس بالأنوثة وحب الظهور والعمل على لفت أنظار الآخرين ليلاحظوا ما طرأ عليها من تغيير، وهذه الفئة هي التي تطرب لكلمات الثناء على جمالها والإعجاب بها وبشعرها أو لبسها بمجال جذب سحري والتي تتطلب من الأهل الانتباه والحذر في الوقت المناسب بدلاً من ترميم المشاعر في المستقبل، فمعشر الرجال بفطرته ينحاز للجمال بصورته النسبية عندما يتسلح بدرع الواقعية ، لوحة فنية تتمناها الفتاة حتى لو أنكرت أو تجاهلت بظاهرها وللحديث بقية!

أستاذ مشارك/ كلية الطب- الجامعة الأردنية
استشاري النسائية والتوليد/ مستشفى الجامعة الأردنية

kamilfram@gmail.com

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com