الاثنين، 7 أكتوبر 2013

ضرب الطفل أمام الناس يصنع منه شخصا عدوانيا



ربى الرياحي
عمان- يعتقد الكثير من الآباء أن استخدامهم لسياسة الضرب في ردع أبنائهم وتأديبهم هو الحل الأمثل والوحيد الذي يمكنهم من تعديل سلوكاتهم الخاطئة، متجاهلين تماما حجم الضرر الذي يتركه الضرب في شخصياتهم ولا يعرفون أن بأسلوبهم القاسي الجارح يحكمون على أبنائهم بالضياع الذي يقضي على كل المشاعر الإيجابية ويحولها إلى عقد نفسية تسكن في أعماقه فتفقده الشعور بالثقة وتصنع منه شخصا ضعيفا هشا غير سوي.
ومهما كان السبب الذي يدفع الآباء للضرب كبيرا، إلا أن اتباعهم لهذا الأسلوب يجردهم من إنسانيتهم وينتزع من قلوبهم مشاعر الحب والحنان لتحل مكانها مشاعر سلبية مقيتة أساسها القسوة التي غالبا ما تقودنا إلى عواقب سيئة ووخيمة تفتك بنفسية الطفل وتدمرها محدثة فيها جروحا وندوبا من الصعب تضميدها.
ولجوء الآباء لمثل تلك الأساليب المهينة والموجعة والتي لا تستطيع أي حجة تبريرها يعد تصرفا خاطئا وخارجا عن نطاق الفطرة الأبوية، ولذلك هم بحاجة إلى تغيير الطريقة التي يتعاملون بها مع أطفالهم معتمدين في ذلك على الطرق الحديثة التي تحاول إيجاد حلول عملية وسهلة بعيدة كل البعد عن لغة الضرب والتعنيف التي لا تجدي نفعا بل تزيد المشكلة تعقيدا، الأمر الذي يجعلنا نقف عاجزين عن حل أبسط المشاكل التي قد تواجهنا، وحتى نستطيع معالجة السلوكات الخاطئة التي تصدر منهم في بداية حياتهم، وخاصة تلك السلوكات التي يقومون بها بدون قصد بحكم العادة، فلا بد للآباء من التخلي عن فكرة الضرب تماما واستبدالها بفكرة أخرى تعود عليهم بالفائدة وتجنبهم الوقوع في مشاكل كثيرة هم بغنى عنها.
فهناك العديد من الطرق السليمة التي بإمكان الأهل استخدامها للحد من تصرفات أبنائهم السيئة التي قد تتفاقم آثارها في حال عدم قدرة الآباء على ضبطها، وأنسب طريقة تمهد لنا الطريق للغوص في أعماق الطفل وتجعلنا أقدر على ملامسة مشاعره وأحاسيسه هي الاستماع لكل ما يجول في خاطره وفهم الأسباب الكامنة وراء سلوكاته الخاطئة الغامضة ومحاولة تصحيحها وتقويمها بكلمات دافئة تجمع بين الحزم واللين مهمتها توعية الطفل وتمكينه من التمييز بين الخطأ والصواب بأسلوب عقلاني يبين له النتائج المترتبة على أي سلوك قد يسلكه سواء كان ذلك السلوك خاطئا أم صحيحا، فاستيعابه لحجم الأضرار التي قد تلحق به يدفعه للتفكير في الابتعاد عن أي تصرف سيئ من شأنه أن يؤذيه أو يؤذي غيره، ونحن باستخدامنا لهذا الأسلوب العقلاني الذي يتيح للطفل فرصة التفكير والتحليل، يصبح بمقدورنا وضع أقدامه على الطريق الصحيح بدون أن نضطر لضربه وشتمه وإهانته، فليس المهم أن نفرض سلطتنا على أبنائنا أمام الناس لنظهر لهم كم هم يخشوننا، بل المهم أن نعرف كيف نحتويهم ونرشدهم بطريقة تضمن لهم حياة سوية متوازنة خالية من الأمراض النفسية التي غالبا ما تزعزع ثقة الطفل بنفسه وتقلب كيانه رأسا على عقب ليتحول بعد ذلك إلى شخص عدواني انطوائي كاره لكل من حوله.
إن معاملة الآباء القاسية والتي تتمثل في ضرب الأبناء وشتمهم أمام الناس تتسبب في إضعاف شخصيتهم وتحطيم معنوياتهم والتقليل من احترامهم لذاتهم، فكم هو مؤلم ومحرج أن تهان كرامة الطفل وخاصة أمام أقرانه؛ لأن ذلك قد يدفعهم للتطاول عليه والسخرية منه بدون أن تكون هناك مراعاة لمشاعره التي قد تتشوه نتيجة لهذا الفعل الموجع الجارح، وتعرض الطفل المستمر للضرب من قبل والديه ينمي عنده روح الانتقام ويخلق بين الطرفين فجوة كبيرة من الصعب تقليصها، الأمر الذي يجعل لغة التواصل بين الآباء وأبنائهم مفقودة تماما فيعيشون حياة صامتة جافة يسودها الخوف الذي يبدد جميع المشاعر الطيبة الرقيقة التي تتملك قلب الطفل وتستحوذ عليه، فكم هم كثر أولئك الآباء الذين يلجأون لسياسة الضرب لاعتقادهم بأنها طريقة مناسبة قادرة على بث الرعب والخوف في نفوس أطفالهم، وكل ذلك ليتمكنوا من فرض هيبتهم واحترامهم ولا يعرفون أن باستخدامهم لهذا الأسلوب المجحف قد يخسرون أبناءهم للأبد، فهم بأيديهم قد قضوا على كل المعاني الجميلة التي غلفتها براءة قلوبهم وهم أيضا الذين اختاروا لأبنائهم تلك الحياة القاسية المؤلمة فكانت النتيجة التي استحقوها كبيرة بحجم الألم والأذى الذي سببوه لأبنائهم.
وحتى يستطيع الآباء تجنيب أطفالهم الأذى الذي قد يلحق بهم نتيجة الضرب، عليهم أن يعوا جيدا أن السبيل الوحيد لردع الأطفال هو تسلح الأهل بمهارات الاتصال الضرورية التي تقوي صلة الطفل بوالديه وتعمق بينهم مشاعر العطف والرحمة فتتحطم بذلك جميع الحواجز النفسية التي تعرقل عملية التواصل، ويكمن الخطر الحقيقي في هذه إذا لم يتقبل الآباء فكرة أن الضرب حل مؤقت وأن النتائج السلبية المترتبة عليه قد تحول حياة أبنائهم إلى جحيم لا ينتهي، لذلك فلنحاول جميعا إيجاد طرق سلمية تزيد من ثقة الطفل بنفسه وتجعله أقدر على صنع حياة أسرية ناجحة أساسها المحبة والوعي القائم على الحوار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com