السبت، 16 يونيو 2012

المرأة حياتها التربية وعصرها ثقافة وتعليم



صورة

ياسين الجيلاني -يحتفل المجتمع الدولي في كل عام، بيوم المرأة العالمي الذي يصادف في الثامن من آذار وقد جرى الاحتفال وغاب... ورغم هذه الاحتفالية، فالمرأة في معظم دول العالم ما زالت إلى يومنا هذا، تعاني من الاضطهاد والاغتصاب والعنف الأسري، والتميز والمفاضلة بينها وبين الرجل. وارتبطت في أذهان الكثيرين، خاصة في المجتمع العربي – كلمة «المرأة» بكلمة «الحريم»، وغيرها من الأسماء غير اللائقة إنسانياً، فأصبحت أنثى الإنسان – دون غيرها من إناث «المملكة الحيوانية» متناسين دورها الفاعل والمؤثر في رعاية الأسرة وبناء الحياة مع الرجل.
والمرأة مهما كانت في نظر الرجل، شيطاناً خبيثاً أم مخلوقاً وديعاً، فإن الأديان السماوية الكبرى، قد أنصفتتها ودعت إلى تعليمها ووضعتها في المكانة العالية في الحياة... فقد ورد في التوراة، أن الله خلق آدم أولاً، ثم خلق حواء من ضلعه بعد ذلك، ولكن الرجل بصلفه لم يقتنع بهذه الأولوية، بل أراد أن يجعل من نفسه خالقاً للمرأة نفسها. حتى أصبح الرجل يفسر كل سلوكها، بأنه وليد شعورها بالنقص، أو رغبتها الحادة في تقليده. وكأنما هي بإزاء خصم عنيد جائر. أو كأنها اللغز الأبدي في نظره الحائر!.
أما الديانة المسيحية، فرغم بغضها للجسد، فإنها تحترم العذراء والزوجة العفيفة الطيعة.. وفي الديانة الإسلامية، ورد في القرآن الكريم، أنه يساوي بين الرجل والمرأة، في آيات كثيرة مصداقاً لقوله سبحانه: «يا أيها الناس إتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً ونساءً». النساء: الآية (1).
وان ما حدث في عصور الجهل والظلام، من تحقير للمرأة وجحد لحقوقها، لا يعود إلى الأديان السماوية الكبرى في شيء، وإنما يعود إلى الظروف الاقتصادية والنظم السياسية الفردية المتسلطة، ويعود بالدرجة الأولى إلى حمق الرجل الذي نصب نفسه خصماً وحكماً في آن واحد. ألم يقل بلزاك في كتابه «فسيولوجيا الزواج» موجهاً الحديث إلى الرجال –» لا تأبهوا بإناث النساء وصرخاتهن والآمهن، فإن الطبيعة نفسها، هي التي وضعت المرأة تحت تصرف الرجل»! ثم ألم يقل الفيلسوف نيتشه – في معرض حديثه عن المرأة على لسان نبيّه زرادشت : « إن الرجل ينشأ للحرب والقتال. أما المرأة، فيجب أن تعد للترفيه عن المحاربين، وكل ما عدا ذلك فهو حمق وضلال»!؟
في العصر الحديث، نهض زعماء الإصلاح العربي وتبعهم الشعراء المعاصرون، فتناولوا قضية المرأة وتعليمها ليعيدوا الحق إلى نصابه، ولعل أبرزهم رفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده، وقاسم أمين، وجميل الزهاوي ومعروف الرصافي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم.
فالطهطاوي – دعا إلى تعليم المرأة وتحريرها فقال: «فينبغي صرف الهمة في تعليم البنات والصبيان معاً، فتعليم البنات يزيدهن أدباً وعقلاً، ويجعلهن بالمعارف أهلاً ويصلحن به لمشاركة الرجال في الرأي والكلام. أما الأفغاني فيرى: أن إصلاح المجتمع لا يقوم إلا بإصلاح المرأة وتعليمها، وأن تخلفها لا يعود إلى قصور في طبيعتها، وإنما يعود إلى واقعها الاجتماعي إذ قال: «فليس للرجل رأس وللمرأة نصف رأس، والتفاوت بينهما لم يأت إلا من التربية وإطلاق السراح للرجل، وتقييد المرأة في البيت لتربية الجيل.
أما الشيخ محمد عبده، فيرى أن المرأة هي أساس الأسرة أو اللبنة الأساسية في بناء الوطن ونهضته... وعلل أسباب تخلف الشرق العربي بعدم إسهام المرأة في العمل والعلم إلى جانب الرجل ودعا إلى تعليمها ورأى فيه الوسيلة الناجعة للحد من جهلها ومعرفة مالها وما عليها.
وقاسم أمين، بحث في الأسباب التي تعيد للمرأة كرامتها وقوتها، فلم يجد إلا التعليم، فهو وحده القادر أن يعيدها إلى مكانتها في المجتمع، ويبرر ضعف المرأة بأنه ناجم عن إستبداد الرجل فيها، بعد أن اهتضم حقوقها، وأخذ يعاملها بالإحتقار والإمتهان، وداس بقدميه على شخصيتها... لذا عاشت المرأة في إنحطاط شديد أياً كان عنوانها في العائلة، زوجاً أو أماً أو بنتاً، ليس لها شأن ولا إعتبار، ولا رأي، خاضعة للرجل لأنه رجل ولأنها امرأة.
أما الشاعر الزهاوي، فقد ذهب إلى أن تأخر المسلمين يكمن في تأخر المرأة: فقال
       ليس يرقى الأبناء في أمة ***    مالم تكن قد ترقت الأمهاتُ
أما الشاعران أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، فقد ذهبا إلى ضرورة تعليم البنات ليتقدم المجتمع، فقال شوقي في قصيدته «العلم والتعليم وواجب المعلم».
وإذا النساء نشأن في أمية 
***    رضع الرجال جهالة وخمولاً
ليس اليتيم من انتهى أبواه من 
***    هم الحياة وخلّفاه ذليلاً 
إن اليتيم هو الذي تلقى له 
***    أمّاً تخلت أو أباً مشغولا
كذلك فعل حافظ إبراهيم في قصيدته «مدرسة البنات ببور سعيد» إذ قال: 
الأم مدرسة إذا أعددتها 
***    أعددت شعباً طيب الأعراق 
الأم روض إن تعده الحيا 
***    بالري أورق إيّما إيراق 
وفي بلاد الغرب لمع اسم الفيلسوفة الفرنسية سيمون دي بوفوار كأحسن كاتبة أنثوية، والتي تبنت قضية المرأة بكل قوة، لأنها تؤمن بها وتدافع عنها، حيث جاء في كتابها الشهير «الجنس الثاني» وبه قالت: «في عهد القديس توماس الأكويني» كانت المرأة تبدو كجوهر. كقطعة ذهب. له وزن وثمن. إلا أن هذا «الذهب» قد فقد تفوقه ولمعانه، لا العلوم والتطورات غيرت من الموقف. فالمرأة في نظري قضيتها اليوم كالزنجي في أبعادها تمثل المشكلة، خاصة في الدول التي تبدو المشكلة ذات طابع حاد»... وترى أن موقف النساء في معظم الحضارات ما زال مقيداً بأوضاع لم تهيئ لهن مستوى من الوعي والحرية، بحيث يمكن أن يشاركن الرجال في صنع العالم الذي نعيش فيه، إنهن كن وما زلن يعشن في وضع طفولي وعبودي فشأنهن شأن السود في الجنوب الأمريكي... والسبب أنهن لم يتدربن على حريتهن من خلال العمل، وهن ما زلن يحتمين بالقيم التي وضعها الرجال البيض لهن.
ثم أن بعض النساء ما زلن يرفضن اختيار المسؤولية وتحملها، وهذا ما تعتبره سيمون من وجهة نظر الأخلاق الوجودية خطأً أخلاقياً بشعاً، ومن جهة أخرى، فإن استمرار العبودية عليهن هو شر أخلاقي... وبين هذين الموقفين تكمن مأساة المرأة... وفي رأيها أنه من السهل أن نتصور عالماً تتساوى فيه المرأة بالرجل، وتتربى تربيته، وتتحمل مسؤوليتها معه، وتحصل على حقوقها، وتصل إلى منزلة من الحرية والوعي والتعليم والثقافة، بحيث لا تعود ترى في الرجل أنه نصف إله، بل هو رفيق وصديق في آن واحد.
وما يهمنا اليوم، أن المرأة الأردنية، وبعد أن نالت مساحة كبيرة من الحرية والتعليم العالي، وبعد أن تبوأت أعلى المناصب الإدارية والقيادية في الدولة وقطاعات الحياة كافة، فإن التصدي لتخطيط دورها في الحياة العصرية ينطوي على إفتراضين أساسيين: الأول أن دور المرأة في المجتمع الأردني يختلف عن دور الرجل، والإفتراض الثاني: أن دورها في الحياة العصرية، يختلف عن دورها في حياة القرى والبادية. وإن استجلاء صورة المرأة الإنسان في منظورها الحقيقي، يكمن في تعميق وعيها العصري بأسرار طبيعته البشرية.
أما اتحاد المرأة الأردنية فينبغي أن يعمل على إقامة علاقة إنسانية أكثر وعياً وأكثر صدقاً بين الجنسين، بالرغم من أن النساء أنفسهن لم يفصحن عن ذلك بوضوح، لأن المرأة لا تريد الاستقلال التام عن الرجل ، إنما تريد تجاوباً إنسانياً يتجاوز العلاقة الجنسية إلى معانٍ أعمق غوراً تشحب أمام دلالتها العلاقة الجنسية. وبهذا الوصال الإنساني تتحدد مملكة المرأة. لتحقيق ذلك لا بد من قدر معين من التمايز والاستقلال، إذ لا يمكن أن يحدث تجاوب حقيقي بين عضو متسلط وعضو خاضع في أية جماعة، كما لا يمكن أن يتم تلاحم أصيل بين الأسياد والعبيد، كذلك يتعدد توطيد العلاقة الوجدانية الخلاقة بين شخصية امرأة فجة طفيلية وشخصية رجل واع ناضج. لذلك كان لزاماً على المرأة في بداية حركتها النسائية أن تكرس طاقاتها لتنمية قدراتها وصقل شخصيتها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com