عبد العزيز الخضراء*
عمان- كثيرا ما يتلفظ الآباء والأمهات بكلمات لا يحسبون لها حسابا، ولكنها تدمر الأهداف التربوية التي ينشدونها، فالكلمة هي أساس التربية، والأهل يوجهون أبناءهم بالكلام ويحاسبونهم بالكلام ويشجعونهم بالكلام ويمدحونهم بالكلام ويغضبون منهم أيضا بالكلام.
فتربية الأبناء إما بالكلام أو بالأفعال وفي الحالتين هي كلام، فالكلام حوار لفظي والأفعال حوار غير لفظي، فالموضوع إذن كله كلام بكلام وهذه هي التربية.
ومن خلال التجارب التي مرvت بها بحكم عملي في حل المشاكل التربوية اكتشفت أن أكثر ما يساهم في انحراف الأبناء سوء استخدام الألفاظ والكلام، ومنذ يومين جلست مع شاب هارب من بيته لأستمع لمشكلته التربوية مع والديه وكان ملخصها في الكلام السيئ الذي يسمعه منهما، وفتاة اشتكت لي الحال من انحرافها وهي غير راضية عن نفسها ولكنها أرادت أن تنتقم من سوء كلام والديها لها.
وفيما يلي بعض الأمراض التربوية التي تكمن في اللسان وتتلخص بعشر كلمات تدمر نفسية الأبناء وتشجعهم على الانحراف وهي:
أولا: الشتم بوصف الطفل بأوصاف الحيوانات، أو تشتم اليوم الذي ولد فيه.
ثانيا: الإهانة من خلال الانتقاص منه بأوصاف سلبية مثل أنت «شقي، كذاب، قبيح، سمين،.."، والإهانة مثل الجمرة تحرق القلب.
ثالثا: المقارنة وهذه تدمر شخصية الطفل، لأن كل طفل لديه قدرات ومواهب مختلفة عن الآخر، والمقارنة تشعره بالنقص وتقتل عنده الثقة بالنفس وتجعله يكره من يقارن به.
رابعا: الحب المشروط كأن تشترط حبك له بفعل معين مثل "أنا ما أحبك لأنك فعلت كذا، أحبك لو أكلت كذا أو لو نجحت وذاكرت"، فالحب المشروط يشعر الطفل بأنه غير محبوب وغير مرغوب فيه، وإذا كبر يشعر بعدم الانتماء للأسرة لأنه كان مكروها فيها عندما كان صغيرا، ولهذا الأطفال يحبون الجد والجدة كثيرا لأن حبهما غير مشروط.
خامسا: معلومة خاطئة مثل "الرجل لا يبكي، اسكت بعدك صغير، هذا الولد جنني، أنا ما أقدر عليه، الله يعاقبك ويحرقك بالنار".
سادسا: الإحباط مثل "أنت ما تفهم، ما منك فايدة".
سابعا: التهديد الخاطئ "أكسر راسك، أشرب دمك، أذبحك".
ثامنا: المنع غير المقنع، كأن نكرر من قول "لا لا لا" ودائما نرفض طلباته من غير بيان للسبب.
تاسعا: الدعاء عليه مثل "الله يأخذك، ملعون".
عاشرا: الفضيحة وذلك بكشف أسراره وخصوصياته.
ما سبق عشر نقاط كاملة، رصدت نوعا واحدا من الأمراض اللسانية، فتخيلوا طفلا لم يبلغ من العمر ثماني سنوات وفي قاموسه أكثر من خمسة آلاف كلمة مدمرة فإن أثرها عليه سيكون أكبر من أسلحة الدمار الشامل فتدمر حياته ونفسيته.
وقد لخص الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، هذا المقال كله بأربع كلمات وهي في قوله صلى الله عليه وسلم "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء"، فالأصل أن تتجنب هذه الرباعية السلبية واستبدالها برباعية إيجابية أخرى مع أبنائنا فنركز على الحب والتشجيع والمدح والاحترام.
فالكلمة الطيبة أهم من العطية قال تعالى: "قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى"، ونحن نعطي أولادنا كل شيء من طعام وألعاب وترفيه وتعليم ولكننا نحرقهم وندمرهم بالكلام. وهذا خلاف المنهج القرآني، وقد اكتشف العلماء المعاصرون أن "الكلمة الطيبة والصدقة" لهما نفس الأثر الايجابي على الدماغ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق