أمينه منصور الحطاب - مرضٌ ألم بي ومضى،عَبِثَ بأفكاري ومعتقداتي ، لوّن أيامي وأحلامي بألوانٍ ذات زوايا حادة ، جعلتني أتحسس من نسائم العليل إذا مرت بالقرب مني .
توقفت عن القراءة والكتابة والدراسة ، وشرعت أتأمل اقتراب النهاية ، حتى سمعت صوتاً داخلياً يناديني ويذكرني بإصراري وعنادي وبروح التحدي التي رافقت أيامي ، وأن مشوار الحياة لم يئن له أن ينتهي ، حثني على ترتيب أفكاري المتبعثرة كي أعقل وأتوكل ، فقمت بعمل الفحوصات و الخزعات لعلةٍ احتار الأطباء في فهمها أو وصف العلاج لها .
شددت من عزيمتي و تحدثت مع نفسي حول أهداف لا بد أن تنجز ، و آمال عليها أن تتحقق ، و أحلام تعلو و تسمو ، و جسد يضعف و يضمر. عُدتُ للقراءة و ما توانت الكتابة في العودة الى أقلامي ، أدركت معنى الحياة و مفهوم الذات ( قبولها و تقديرها ) و أهمية العزو الداخلي في شحذ العزائم ، و استثارة الهمم ، و طرح الألم ، و كانت الدروس و العبر ، راجعت الابحاث التي لم تكتمل بسبب المرض أُنقِحُ و أُعَدّلُ فيها ما قد كتب ، أضيف أفكاراً ولدّها الخوف و أنعشها الأمل راجيةُ نشر العلم و الفائدة في العمل.
إن من نعم الله على العبد، أن يهبهُ القدرة على معرفةِ ذاته و القدرة على وضعها في الموضع اللائق بها ، إذ أن جهل الانسان بنفسه و عدم معرفته لقدراته يجعله يقوّم ذاته تقويماً خاطئاً ، فإما أن يعطيها أكثر مما تستحق ؛ فيثقل كاهلها ، و إما أن يزدري ذاته ، و يقلل من قيمتها ؛ فَيُسقِطُ نفسه ، و الشعور السيئ عن النفس له تأثير كبير في تدمير الإيجابيات التي يملكها الفرد ، فالمشاعر و الأحاسيس التي نملكها تجاه أنفسنا هي التي تكسبنا الشخصية القوية المتميزة ، أو تجعلنا سلبيين خاملين ؛ إذ أن عطاءنا و إنتاجنا يتأثر سلباً و إيجاباً بتقديرنا لذواتنا.
مفهوم تقدير الذات
يعد مفهوم تقدير الذات أحد المفاهيم الحديثه نسبيا الذي حظي باهتمام الباحثين لما له من أثر كبير في مراحل حياة الفرد المختلفة ، إذ يبدأ تقدير الذات في التطور منذ مرحلة الرضاعه ، و يتشكل و يتطور متأثراً بممارسة الوالدين و الإخوة و المحيطين بالطفل. و مع التقدم في العمر يصبح لإدراك الفرد لذاته دوراً كبيراً في تشكيل تقدير الذات لديه ، فإذا كان هذا التقدير إيجابيا شكل درعا للفرد في مواجهة التغيرات و الضغوط التي يمر بها أو يواجهها ، ووفّر له قدرة للسيطرة على الصراعات التي تعترض حياته ، فيكون الفرد أكثر واقعية و تفاؤلاّ و استمتاعاً بالحياة ، بعكس الفرد الذي يتشكل له تقدير منخفض لذاته.
تشكيل تقدير الذات
إن للتفاعل الاجتماعي المستمر بين الفرد و بيئته دورٌ كبير ٌ في نشأة تقدير الذات و تطورها ، إذ يكتسب الفرد تقديره لذاته عن طريق التنشئة الاجتماعية ، و للأسرة دورٌ كبير في تكوين تقدير إيجابي للذات ، الذي يشكل أحد أهم العوامل التي تحدد للفرد أهدافه و طموحاته المستقبلية ، و يتأثر تقدير الذات بالدرجة التي يستطيع فيها الفرد إدارة البيئة من حوله ، و السيطرة عليها ، و التعامل مع المواقف و الآخرين بطريقة تسمح لها بالتحكم بالأحداث و توجيهها بدرجة تشعر بالكفاءة في هذا التعامل.
و تعد مرحلة البلوغ المرحلة التي يبدأ فيها تقدير الذات بالتشكل فعليا ، فهي المرحلة التي يتعرض فيها الفرد الى العديد من المواقف الحياتية التي تأثر مباشرة على تقدير الذات لديه ، من خلال مواجهته بهذه المواقف و اختباره لقدراته و إمكاناته و إجراء التقويمات لها ، و بذلك يكون الفرد قد كوّن و شكّل تقويماُ لنجاحه أو فشله في بناء علاقات ناجحة مع الآخرين ، فيزداد شعوره بقيمته كلما زادت نجاحاته في بناء هذه العلاقات ، و تنقص قيمته في تقييمه لذاته كلما قلت نجاحاته في حال تعرضه للفشل في بناء هذه العلاقات.
آثار و أهمية
إن لإدراك الفرد لذاته دورٌ كبيرٌ في تشكيل تقدير لذات لديه ، فالشخص الذي لديه تقدير مرتفع لذاته يشعر بتقبل الآخرين له و يدرك أهميتهم ، و يميل إلى إدراك العالم بطريقة إيجابية و يبحث عن اهتمامات جديدة ، و قيم و مبادئ ثابتة في الغالب ، و لديه القدره على التعامل مع المواقف كافة حتى لو واجهه الفشل في بعضها ، ولا يسهل على الآخرين السيطرة عليه أو النيل منه .
أما الشخص ذو التقدير المنخفض لذاته ، فلا يسعى إلى المشاركه مع الأقران ، و يميل إلى التحدث سلبيا عن نفسه و يعاني من الإحباط و يكثر من التذمر و الشكوى في كل الظروف و المواقف ، و يغلب عليه التشاؤم ، و الأسوأ من ذلك شعوره بالعجز عن إنجاز الأعمال و توقعه الفشل دائما في حل المشكلات التي تواجهه في إدارة أمور حياته اليوميه.
و بعد ؛
هذه دعوة الى كل الآباء و الأمهات و المربيين و المربيات و المعلمين و المعلمات إلى تعزيز مفهوم تقدير الذات، لدى أبنائنا الطلبة لدعم مسيرة حياتهم و بناء الشخصية السوية عندهم ، فهم أمل الأمة و غدها المشرق بإذن الله
المشاركات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق