الاثنين، 9 سبتمبر 2013

"مكانك سر" شعور يصيب صاحبه بالأزمات النفسية

يرى كثيرون ان حياتهم تراوح مكانها بلا تقدم على الصعيد العملي او الاجتماعي - (أرشيفية)

منى أبو صبح
عمان- منذ سبع سنوات لم يطرأ أي تغيير في حياة الشابة نوال الصمادي، ما جعلها تشعر بأن الحياة تتحرك من حولها، وهي ساكنة تعيش الأجواء ذاتها من دون أي تغيير يذكر.
تقول الصمادي (26 عاما): استيقظ في الصباح الباكر، واستعد للدوام في الشركة التي أعمل بها، وأرى زملائي من حولي، مكتبي ذاته، عملي لا جديد يذكر به، انتظار الزيادة السنوية والصدمة بها، موعد الطعام ذاته، التفاصيل اليومية هي ذاتها، كما أن الأوضاع المعيشية الصعبة التي نعيشها تحرمنا من التفكير حتى بالترفيه عن أنفسنا.
إحباط وكآبة كبيران يسيطران على الصمادي في هذه الأوقات، حيث تصف حالتها بأنها "مكانك سر"، فالفرص المتاحة أمامها شحيحة.
وتتساءل الصمادي بينها وبين ذاتها عندما تفكر بعيشتها التي تراوح مكانها فيما اذا كانت الوحيدة التي تعاني من هذه المشكلة، أم أن حالها يشبه حال كثيرين ممن يقفون عند نقطة زمنية معينة بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية السائدة والبحث عن لقمة العيش فقط!.
حياة المعلم خالد مهران على حالها منذ 16 عاما، لم يفكر بأي نقلة في حياته، "أدرّس ذات الصفوف منذ 16 عاما، مع العلم أنه أتيح لي إكمال دراستي في اللغة الإنجليزية، والحصول على وظيفة أفضل فيما بعد لكنني بقيت في عملي".
مهران يرى أن العمر "يركض بي، ولم أستغله وأطور نمط حياتي"، رغم أنه عايش زملاء عدة طورا وغيروا في حياتهم خلال هذه المدة.
ولا تراوح حياة مهران مكانها في مهنته بل على الصعيد الشخصي حيث يبين أنه لم يفكر يوما في تغيير بيته المستأجر، مع العلم أن غالبية من حوله من أصدقاء وأقارب تملكوا منازل، وآخرين اشتروا شققا وقاموا بتأجيرها بدافع الاستثمار.
الأختصاصي النفسي محمد الحباشنة يرجع شعور الفرد بأنه "مكانك سر" إلى "حالة عدم انسجام بين الأعمال والنشاطات التي يقوم بها الإنسان وبين ذاته"، فضلا عن أن "أكثر الناس يشعرون بالاحباط من عدم التغيير لأنهم يكررون نفس الأعمال والنشاطات".وينوه الحباشنة إلى "أن العمل الذي يتم التركيز فيه على الربح المادي فقط مع دوام لساعات طويلة، وينطوي على تجاهل للبعد الاجتماعي أو الترفيهي، يخلق جوا من الملل والإحباط لدى الشخص في الحياة".
على الإنسان أن يحرص على أن يكون له أثر واضح في الحياة وهذا يتطلب أن يكون منظما، ولديه أهداف واضحة ومحددة يسعى إلى تحقيقها، سواء على المستوى الشخصي أو الأسرة أو العمل، وفق اختصاصي الاجتماع الاسري مفيد سرحان.
ويشدد سرحان على ضرورة أن يقيم الإنسان نفسه باستمرار وأن يقف على ما تم تحديده من أهداف وما لم يتم تحديده، ومعالجة الأسباب التي حالت دون الإنجاز أولا بأول، ومثل هذه الشخصية يمكن أن يكون لها أثر واضح أينما كانت حتى على مستوى الأصدقاء وزملاء العمل وفي الأسرة.
"لا بد للإنسان أن يحدد إمكاناته وطاقاته أولا وأن يكون لديه القدرة على تقدير الذات"، وفق سرحان الذي ينوه الى أهمية تمتع الشخص بالواقعية وأن يفرق بين الإمكانات والقدرات الموجودة وبين الطموحات والآمال التي يسعى للوصول إليها.
ويتابع كلما كان الإنسان أكثر واقعية في تقييم ذاته كان أكثر قدرة على النجاح، منوها الى أن تكون عند الشخص برامج مستمرة لتطوير ذاته من خلال الدورات والقراءة ومتابعة البرامج التوعوية والتثقيفية وغيرها من الوسائل التي أصبحت متاحة للجميع بحكم انتشار وسائل التكنولوجيا والمعرفة.
"عقارب الساعة تدور دون أي جديد في حياتي"، وفق الستيني أبو سامر الذي يقول إن الآخرين يعتقدون أنني عشت حياتي وماذا أنتظر"، مستدركا "لكني أشعر بأن حياتي بلا ثمن، فبعد أن كبر أولادي، أصبح اهتمامي فقط متابعة النشرة الإخبارية وانتظار قدوم أبنائي وأحفادي، وعندما أحاول أن اقترح أفكارا جديدة لأحد المشاريع يرفضها جميع المحيطين بي، متذرعين بأن ذلك افضل لراحتي".
من السلبيات التي تترتب على إحساس الشخص بأنه ساكن لا يتحرك، يقول الحباشنة أن استمرار هذا الشعور "يقلل من الدافعية والإنجاز، ويزيد من احتمالية الإصابة بالأزمات النفسية إلى جانب التقليل من القدرة على الإبداع".
وللخروج من هذه الحالة ينصح الحباشنة بضرورة وضع خطط لتنظيم الوقت، حيث يتم الاهتمام بالجانب الترفيهي والاجتماعي للتخلص من التكرار والسعي للتغيير في حياة الفرد نحو الأفضل.
إذا وجد الانسان نفسه لا يتطور أو لا يقدم جديدا على المستوى الشخصي أو الأسري أو المجتمعي فعليه أن يبحث عن الأسباب التي أدت إلى ذلك، وفق سرحان الذي يرى أن كل إنسان يمكنه أن يطور نفسه مهما كان مستواه الثقافي وتحصيله العلمي شريطة أن يكون لديه الاستعداد لذلك، وألا يكون اتكاليا على الآخرين.
وينوه سرحان الى أن للتربية دورا مهما في تحفيز المرء على التجديد والإنجاز، مشيرا إلى أنه يقع على عاتق الأسرة والمربين بأن يشجعوا على التنافس الإيجابي في الأسرة والمدرسة والجامعة.
كما يرى أن المؤسسات عليها مسؤولية وضع الحوافز التي تشجع على التنافس والتطور وأن يشعر الشخص بأن له قيمة وميزة عن الناس العاديين؛ لأن النفس البشرية تحب التشجيع والثناء والمكافأة، مع أن الأصل أن يكون الدافع ذاتيا لأن الإنسان عليه مسؤولية وهو مستخلف في الأرض فوجود الإيمان عند الإنسان دافع مهم للعمل والتطوير والإنتاجية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com