الثلاثاء، 21 يناير 2014

المناخ يفرض كلمته

صورة

سامح المحاريق - يكفي الرجوع بالذاكرة لسنوات قليلة لملاحظة اختلاف جذري في طبيعة الطقس خلال فصل الشتاء ، ولا يكاد يحل فصل الخير لتبدأ النقاشات حول تغير المناخ عموما وكل يحاول التقاط تفسير لحقيقة ما يحدث ، لكن ما يجب أن يشغل الكل ضمن واقع يفرض نفسه كيفية الاستعداد والتعامل مع هذا التغير . 
عصر جليدي جديد.. هذه المسألة تشغل العلماء في روسيا واليابان، ويبدو الخلاف حول مدى اتساعه وكثافته، فهل هو عصر جزئي وصغير، أم هو بداية لعصر جليدي واسع النطاق، وما يمكن ملاحظته للشخص العادي وغير المتخصص، أن الشتاءات أصبحت تميل إلى البرودة، حتى أن مدينة دافئة مثل القاهرة زارتها الثلوج للمرة الأولى بعد تغيب استمر 117 سنة.
 موجة الصقيع الأمريكية أعادت الناس إلى اختراعات بسيطة في التدفئة، مثل ذلك الاختراع الذي قدمه مواطن بسيط بوضع الشموع في أوان فخارية مقلوبة لتجميع الغاز ثم جعله ينتشر في المنزل.. موجة الصقيع الأمريكية كانت الأعنف منذ أكثر من قرن، واضطرت حديقة الحيوان في شيكاغو لإدخال أحد الدببة القطبية إلى الملجأ لحمايته من البرد!! وحتى مدينة نيويورك الساحلية وصلت درجة الحرارة فيها إلى 15 تحت الصفر، وكانت 37 تحت الصفر في المناطق الداخلية، و49 كرقم قياسي في البرودة.
 في الأردن عانت البلاد من آثار عاصفة ثلجية واسعة في شهر كانون أول الماضي، ويتوقع، أو يجري الحديث عن موجات أخرى من الثلوج، ومن المؤكد أن الطبيعة ما زالت تمتلك سلطتها الواسعة على الإنسان، القصة ليست في الإمكانيات، ولو كانت كذلك لما وقفت دول متقدمة وهي عاجزة عن مواجهة موجات الحر التي كانت تضرب شمال البحر المتوسط، أو حرائق الغابات التي تأكل الغطاء الأخضر، أما الزلازل والبراكين فقصة أخرى، وعلى الرغم من ذلك، فإن نضال الإنسان في مواجهة الطبيعة هو مسألة مستمرة، وثمة إجراءات يستدعيها المنطق العلمي والعقلي، ويتوجب أن يتحرك الجميع من أجل إنجازها بالسرعة الممكنة.
 محليا يجب التشدد في مجال تطبيق اجراءات العزل للمباني الجديدة، بحيث تصبح أقل تطلبا للطاقة من أجل التدفئة، فلا يجب أن يحقق المقاولون أرباحا طائلة من الشقق السكنية وهم لا يقومون بتأهيلها بالصورة المناسبة، واجراءات العزل ليست رفاهية أو خيارا فرديا، ولكنها اجراءات يجري التغاضي عنها، ولا تطبق الرقابة اللازمة حيالها، كما يتوجب أن تكون التصميمات الخاصة بالمنازل ايجابية في التعامل مع قضية التهوية ومواجهة الشمس، فبعض البنايات تسودها عشوائية التصميم من أجل استغلال المساحات بصورة مجحفة للسكان، فتوجد وحدات سكنية تخاصم الشمس من حيث المبدأ.
 التعامل مع الملابس يجب أن يراعي وجود مواد أكثر كفاءة على التعامل مع البرودة، مثل الصوف، وهو ما يستلزم أولا السعي إلى توفير هذه المواد الصوفية من مصادر محلية، أو العمل على إجراء البحوث العلمية حول بدائل تتصف بنفس الكفاءة، والجامعات أيضا يجب أن تتوجه إلى توفير التمويل اللازم، والرعاية المطلوبة، وذلك عوضا عن كثير من الأبحاث غير المجدية على أرض الواقع، والتي تجرى فقط من أجل الحصول على الدرجة العلمية، دون أن ترتبط بتحقيق الفائدة على مستوى المجتمع، ذلك سيلزمه وجود تغيرات في الذوق العام للملابس، وهي قضية تربوية أيضا.
 على مستوى أكثر شمولية، يجب أن يتم الخروج من متاهة تبادل الاتهامات بين الجهات المسؤولة حول أدائها في العاصفة الثلجية الأخيرة، وأن يتم الاجتماع بين ممثليها وتقييم التجربة والوقوف على الأخطاء، وتحديد الاحتياجات لمواجهة ظروف مماثلة في السنوات القادمة، وتاليا وضع الخطط الضرورية للمواجهة.
 في كل حزمة من المخاطر تكمن أيضا مجموعة من الفرص، فالأردن لن يتأثر بالموجة الجليدية بنفس الأثر الذي ستواجهه أوروبا والولايات المتحدة، ويمكن أن تتحول السياحة الشتوية إلى أحد الطقوس المهمة في حياة سكان تلك المناطق، وبالتالي تتزايد أهمية بعض النقاط الدافئة مثل العقبة، والساحل الجنوبي وبالتأكيد منطقة البحر الميت، وهذه مجموعة من الأمور التي يتوجب دراستها في مجال رسم سيناريو المستقبل.
 الأهم مما تقدم كله، هو وجود دراسات محلية علمية موثقة حول نفس الموضوع، تتأكد أولا من مدى جدية التنبؤات الروسية واليابانية، وتحدد شكل التأثير على الأردن، ونوعية التغيرات المناخية التي سيشهدها، وهو ما يتطلب أساسا، وبغض النظر، عن وجود عصر جليدي جديد، أو تواصل الاحترار العالمي، بناء قاعدة متينة من الخبراء المناخيين والجويين للتعامل مع ظروف عدم التأكد المناخية، وجملة من التحديات التي تواجه الأردن مثل التصحر، والتوسع في الزراعة، وهذه القاعدة يمكنها أيضا أن تسهم في رفد الدول العربية بالخبراء في المجال، خاصة أن مواجهة الظروف المناخية في تطرفها هي مسألة عادة ما تتخطى الحدود المرسومة على الخرائط، لتصبح ذات صفة إقليمية، فالعاصفة لا تظهر جواز سفرها أو تأشيرتها عندما تدخل إلى دولة ما.
المناخ هو أحد التحديات الكبرى أمام الإنسانية، ولا يمكن التعامل معه بعد اليوم من منطلق دفن الرؤوس في الرمال، أو التواكل الذي يجعل المجتمعات عارية أمام مواجهة ظروف تتطلب أن يصل التكافل والتعاون إلى ذروته من أجل يشكل الرداء الذي يستر المجتمع، ويعطيه تماسكه ودفئه، والقضية أبعد من توفر الطاقة، وإنما تدخل في إدارة الطاقة والإمكانيات الأخرى بالصورة الصحيحة لتحييد الآثار السلبية في فترات التحولات الكبيرة.

هناك تعليق واحد:

  1. مشكوووور .. وتسلم ايديك على الموضوع الممتاز
    new2you
    newt0you.blogspot.com
    توك شو , برامج ترفيهية

    ردحذف

Tahsheesh.blogspot.com