منى أبو صبح
عمان- اعتاد الخمسيني علي جابر الاحتفاظ بأغراضه الشخصية القديمة منذ الصغر، "أجد نفسي متعلقا بكثير من الأمور الصغيرة والتي ربما لا وزن ماديا لها، وإنما قيمتها المعنوية كبيرة بداخلي".
وعن هوايته يقول جابر "ما زلت أحتفظ ببقايا قصاصات من بعض الصحف والمجلات لبعض المقالات والأخبار التي لفتت انتباهي وأنا في المرحلة الجامعية"، فضلا عن "احتفاظي بأول جهاز خلوي اقتنيته".
أكثر ما يثير دهشة الآخرين، وفق جابر "عندما يرون محفظتي التي اشتراها لي والدي قبل أكثر من أربعين عاما".
أما الشاب حسام حجازين فيقول "لدي مسبحة ونظارة وبعض كتب والدي رحمه الله، وأشعر أنه يحدثني كلما شاهدتها".
وبنبرة تمتزج بحزن شفيف يفوح بالذكريات يقول حجازين "فارقت أبي وأنا صغير السن وأشعر بفقدانه حتى الان"، متابعا "مر على وفاته عشر سنوات، وما أزال أحتفظ ببعض الصور الخاصة به أرجع لها كلما اشتقت إليه".
الذكريات المخبأة داخل صناديق مقفلة لدى البعض، من صور أو مقتنيات وأوراق او مشغولات لهم في الصغر، او لذويهم واحبابهم، قيمتها في تاريخها وخصوصيتها وفي مضامينها المعنوية لا المادية، ذكريات تمتزج بقصص وحكايا وفترات تعبق عندهم بحنين مملوء بالاسرار.
أبو نائل (45 عاما) يحتفظ بأشرطة فيديو لوالدته التي كانت ترافقه مع أولاده في السفر فترات الصيف، وعلى الرغم أن مشاهدة تلك اللقطات لست الحبايب تجدد حزنه عليها، إلا أنه يحن لرؤيتها بين الحين والآخر.
ويذكر أنه منذ أشهر قليلة اجتمع بأشقائه في لقاء عائلي، وطرح موضوع الأشرطة وأحب الجميع مشاهدتها، وجلسوا معا يشاهدون والدتهم وهي تتحدث وتضحك وتلاطف أحفادها وتعلق على بعضهم، مبينا أنهم ضحكوا في البداية على بعض التعليقات، غير ان صورتها المنبعثة عبر الشاشة جدد إحساسهم بفقدانها.
خبير التراث نايف النوايسة يبين أن احتفاظ المرء بالأشياء القديمة للآخرين "تكريم للأشخاص المتوفين وتعظيم لمقتنياتهم مهما كانت سواء كانت مكتبة أو وثائق أو ملابس تعبر عن وجاهة المتوفى، كالعباءة والحطة والعقال أو القمباز أو المسبحة وغيرها".
من جهتها تحتفظ الخمسينية أم سعد منذ عشرة أعوام بثوب ووسادة والدتها، ولا تستطيع التفريط فيهما، بل تشعر براحة كبيرة حين تستنشق رائحة امها التي ما تزال تفوح منهما.
أم سعد رغم كبر سنها تحن لوالدتها، وتقوم بين الفترة والاخرى بإخراج متعلقاتها من حقيبة خاصة استخدمتها لهذا الغرض، وتنظر اليها ولو لبضع دقائق لتقرأ على روحها الفاتحة وعيناها تغرورقان بالدموع.
الاحتفاظ والتعلق بالأشياء القديمة سواء كانت لنا أم للآخرين "أمرا طبيعيا طالما كانت في حدود الرغبة في إبقائها بهدف التذكير بأحباب فقدوا أو بمواقف خاصة للشخص في الماضي"، وفق الاختصاصي النفسي د. خليل أبو زناد.
ويوضح أبو زناد يعود احتفاظ الشخص لشيء ما "لارتباطه العاطفي الشديد بما يملكه"، فهو ينظر إليها كجزء من نفسه، بل ويجد راحة ويحصل على البهجة والسرور من احتفاظه بتلك الأشياء، ويرغب في كل حين العودة إليها وأحيانا إطلاع الآخرين عليها.
"احتفظ بأشيائي القديمة المهمة ولا يمكنني التخلي عنها أبدا، فلا يمكنني أن استغني عن ثوب زفافي وأنا عروس أو مسكة الزهور"، وفق حنان رشيد (43 عاما) التي تقول: فعندما أراه تعود لي كل الذكريات، والمشاعر، الأماكن التي زرتها، كما أنني أحتفظ بأشياء بسيطة، لكنها ثمينة بالنسبة لي، كلي أمل بأن يحافظ عليها أبنائي من بعدي ويحتفظوا بها.
وتستخدم عالية زهران (36 عاما) بعض أدوات والدتها رحمها الله، وتعتقد أنها ستضفي على الأشياء طابع الفرح بدلا من الحزن، وترى أن إخفاء تلك الأدوات والحنين لها، هو ما يجلب الحزن.
وتضيف "أخذت الملابس الخاصة بصلاتها وسجادتها وسبحتها، وبعض أدوات المطبخ التي كانت لا تستغني عنها، وأشعر لدى استخدامي لحاجياتها بأنها ماتزال بقربي تنصحني وتغمرني بحبها وعطفها".
وعن الآثار التي تتركها ذكريات الشخص او المقربين منه يقول ابو زناد إن الموضوع يعتمد على شخصية الإنسان الذي يحتفظ بتلك الذكريات التي تجمع بعض مقتنيات المغادرين من حياتنا، فإذا كانت مجرد ذكرى لا يشعر صاحب الشأن حين يراها بالحزن والفقدان "فلا بأس من ذلك"، أما إذا كانت تعيده في كل مرة إلى المشاعر السلبية فهنا تكمن المشكلة، و"يفضل عدم الاطلاع عليها باستمرار"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق