الثلاثاء، 7 مايو 2013

أسباب متعددة وراء تأخر سن الزواج للفتيات


تغريد السعايدة
عمان- رغم سنين عمرها التي تجاوزت الثلاثين عاماً، إلا أن رنا لا تكترث كثيراً لعدم زواجها حتى الآن، وترى أنها قادرة على المضي في حياتها وتطوير ذاتها إلى أن "تأتي الفرصة المناسبة للزواج"، مضيفة أن "النصيب فوق كل شيء، والزواج مرحلة مطلوبة لكل شخص في الحياة".
وتبين رنا قائلة "أسمع الكثير من التعليقات عند رفضي للزواج من شخص تقدم لي خلال هذه المرحلة العمرية"، لكنها تؤكد أنها تفضل البقاء بدون زواج على أن تتزوج من شخص لا يناسب تفكيرها وطموحها. وإنها تفضل ذلك حتى وإن "تأخرت في الزواج"، ولا تبالي بما يمكن أن تسمعه، أو ما يحدث من إلحاح من والدتها.
دراسة صادرة عن جمعية العفاف كانت قد أظهرت أن "عدد النساء اللواتي لم يسبق لهن الزواج، من عمر ثلاثين عاما وما فوق، قد تضاعف 14 مرة عما كان عليه الحال قبل 28 عاما". فيما أظهر تقرير للمجلس الأعلى للسكان أن دراسة مسحية خلصت إلى أن عدد من لم يسبق لهن الزواج، أي العازبات، قد ازداد عما كان عليه في سنوات سابقة".
وأرجعت الدراسة السبب في ذلك إلى عدة عوامل اجتماعية أبرزها تزايد عدد السكان، بمن فيهم عدد من هن في سن الزواج بسبب ارتفاع معدلات الإنجاب في العشرين سنة الماضية. إضافة إلى ما يصاحب ذلك من أزمة سكانية، متمثلة في تفوق أعداد الشابات في سن الزواج على أعداد الشبان المؤهلين للزواج بهن. فيما يرى آخرون أن أبرز محددات الزواج هي "ارتفاع المهور، وغلاء المعيشة، وانتشار البطالة".
وتشارك لينا ناصر (30 عاما) رنا هذا الرأي، وترى في تأخر زواجها أن هذا الزمن لم يعد كما كان في السابق، فهي تسمع من والدتها أن الفتاة قبل أكثر من 50 عاماً كانت تعتبر "عانس" إذا لم تتزوج قبل سن العشرين عاماً، وهذا يؤكد لها تغير مفهوم الحياة لدى الجميع. ومن هنا فهي ترى أن عدم زواجها إلى هذا الوقت "مسألة عادية ولا تحتاج منها إلى تفكير". فهي لن تغامر بعمرها، بالزواج ممن لا يناسبها من أجل "إرضاء أهلها أو مجتمعها"، على حد تعبيرها.
 في الوقت الذي تدرج فيه الفتاة بقائمة "العنوسة" وهي في سن الثلاثين، الذي يصبح فيه الزواج هاجسا يسيطر على المرأة خوفا من فوات الأوان.. هناك كثير من النساء يرفضن الانصياع لرغبات المجتمع والتنازل عن المعايير والشروط المطلوبة للزواج.
وفي دراسة عالمية تناولت الآثار النفسية لتأخر سن الزواج لدى الفتيات، يرى عالم النفس العالمي هانز سيلي في بحث أجراه خصيصاً في هذا المجال أن الآثار النفسية تمر بعدة مراحل، أبرزها "الإنذار والمقاومة والإنهاك (الاحتراق النفسي)"والإنذار يكون بإدراك الفتاة للتهديد الذي يواجهها في مراحل متقدمة من عمرها، والتعثر في فرصة حصولها على الزوج. فيما تتمثل مرحلة المقاومة بمحاولة الفتاة التكيف مع الوضع السائد ومواجهة هذا التهديد. أما مرحلة الإجهاد، أو "الاحتراق النفسي" فهي تبرز إذا استمر التهديد أو مصدر الضغط، وتكون الطاقة الضرورية اللازمة للصمود قد استنفدت، الأمر الذي قد يؤدي إلى الإصابة ببعض الأمراض النفسية "السيكوسوماتيه".
ونظراً لاختلاف الأوضاع المحيطة بمجتمعنا العربي والأردني، فقد أكد الاستشاري النفسي السلوكي الدكتور خليل أبو زناد أن "تغير الحياة وطموح الفتيات قد يحد كثيراً من الأعراض النفسية التي كانت تتعرض لها سابقاً في ظل مجتمع منطوي لا تخرج فيه الفتاة للحياة العملية والتعليمية المنفتحة"، ولها القدرة على الاعتماد على نفسها مادياً وتطوير نفسها.
ولا يكمن التغيير في حياة الفتاة فقط، بل يرى أبو زناد أن "تأخر سن الزواج للرجل أسهم في حد كبير في تأخر سن الزواج لدى الفتاة"، منوها إلى أنه في السابق كان الشاب يتزوج في سنوات مبكرة من عمره، وبالتالي يتزوج فتاة صغيرة بالعمر، أما الآن فالشاب المقبل على الزواج بعمر يزيد على الثلاثين من عمره قد يفكر في الارتباط بفتاة متقدمة في السن.
ختام البالغة من العمر (37 عاماً)، تقول إن لديها الرغبة في الزواج، بسبب ظروفها المعيشية الصعبة، والمتمثلة في وفاة والديها، وزواج إخوتها جميعاً، ولم يبق في البيت سواها. وما يزيد أمورها تعقيدا، على حد تعبيرها، أنها لا تعمل، وتضطر إلى انتظار ما ينفقه إخوتها عليها، وهي تخجل من أن تتحدث عن متطلباتها اليومية.
وتتمنى ختام لو أنها تزوجت منذ أكثر من عشر سنوات على الأقل، وتقول "رفضت الزواج في سن الخامسة والعشرين من أجل أن أنتظر الوظيفة علها تساعدني على تحقيق زواج أفضل". إلا أنها في النهاية لم تعمل، ولم تتزوج. ولذلك فهي تنصح كل فتاة أن توافق على الزواج، وألا تنتظر المجهول. وتنهي ختام بقولها "كل شيء قسمة ونصيب".
وفي هذه الحالة، يرى أبو زناد أن البيئة المحيطة وتربية الأهل لهما دور في تكوين "نفسية متألمة عند بعض الفتيات"، مشددا على أن أكثر الحالات في الوقت الحاضر التي قد تمر بأوضاع نفسية "سيئة" هي الفتاة التي لم تحقق شيئا في حياتها من الناحية العملية والتعليمية وتخشى من "المستقبل المجهول" لوجود فراغ روحي ومادي وعاطفي.
وفي ذات السياق، يرى الاستشاري الأسري، أحمد عبد الله، أن هناك تباينا في آراء الفتيات. فـ "الفتاة التي تقول إن الزواج يقتل الطموح لديها خلل واضح، إما في مفهوم الزواج، أو مفهوم الطموح، أو كليهما". ويرى أن ما يعزز وجود هذا الخلل هو الثقافة التي بدأت تتسلل إلى الفتيات، وتتلخص في مقولة "تحقيق ذاتك أهم من الزواج "، وبالتالي تم وضع الزواج كـ "ند" سلبي أمام الطموح.
ويعتقد عبد الله أن "الناظر للعالم بشكل منصف يرى أن أكثر النساء إبداعا هي من توازي طموحها بزواجها حتى لا يتعارضا". ويؤكد أن في الأمر مغالطة كبيرة، وهي "فكرة رفض الارتباط بشخص غير مقبول". فهذه المغالطة مهمة جدا: وفكرة "غير مقبول" تكون أحيانا ذريعة تتحجج بها الفتيات أنفسهن حتى يرفضن الزواج؟ هناك من تكون معاييرها غير واقعية، بحيث لا يوجد بين الرجال من تتوفر فيه هذه المعايير، فيصبح كل من لم يحقق هذه المعايير "غير مقبول". والحال أن الخلل ليس في من تقدم للزواج من الرجال، وإنما في ما تضعه الفتاة من معايير.
من جهته يؤكد اختصاصي علم الاجتماع الدكتور سري ناصر، أن سن الزواج تغير عن الماضي بشكل ملحوظ، إلا أن الفتاة تعيش هنا في مجتمع محافظ يقتضي منها أن تكون في حماية رجل، وهو "الزوج" في العادة، وهذا يجعل الفتاة تسعى دائماً للزواج بهدف الحصول على تلك الحماية، مهما اختلف سنها على مدى السنوات.
إلا أن ناصر يؤكد وجود حاجة نفسية وغريزية لدى الإنسان من الجنسين، لوجود علاقات عاطفية متبادلة من كلا الطرفين، ويعني ذلك أن عدم ارتباط الفتاة بالزواج يجعلها تشعر بأثر نفسي سلبي، قد يؤثر على علاقتها الاجتماعية مستقبلا.

tagreed.saidah@alghad.jo

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com