الاثنين، 11 مارس 2013

التدخل بالآخرين طبع يخلق التنافر بين الناس


لكل شخص منّا في هذه الحياة خصوصيات ينبغي علينا احترامها وعدم التدخل فيها، لأن هناك الكثير من الأسرار التي يفضل الإنسان أن يحتفظ بها لنفسه، ويرفض رفضا باتا السماح لأحد مهما كان قريبا منه الاطلاع عليها، ولذلك يحاول أن يبني حوله جدارا يحميه من عيون الأشخاص الذين يتلذذون باختراق خصوصيات الآخر ومراقبة كل كبيرة وصغيرة حتى إنّ تطفلهم قد يدفعهم للسؤال عن أدق التفاصيل الشخصية، التي لا يحق لهم معرفتها، فهناك خطوط حمراء لا يمكننا تجاوزها، والحياة مليئة بهؤلاء الأشخاص الذين تسيطر عليهم رغبات ودوافع غريبة، تدفعهم لاقتحام حياة الآخرين بدون أن يأخذوا بالاعتبار أن حرياتهم تنتهي عندما تبدأ حريات غيرهم.
ونحن خلال حياتنا اليومية معرضون لمضايقات هؤلاء الأشخاص وتطفلهم الذي يؤرقنا، ويسبب لنا الإحراج، وكثيرا ما نصادفهم، فقد نجدهم في الشارع والمدرسة والجامعة والعمل والأماكن العامة، حتى إن القدر أحيانا يبتلينا بجيران يحملون هذا الطبع، فتجدهم لا يهدأ لهم بال، إلا إذا اطلعوا على كل ما يجري حولهم، وتوصلوا بفضولهم الخانق إلى كشف خبايا وأسرار لا تعنيهم، ويجدون المتعة في ذلك، فهم يعتبرونها أمرا طبيعيا ليس فيه ما يزعج.
والفضول والتدخل بأمور الآخرين يعد من أسوأ العادات، وكل من يتصف بذلك بالتأكيد هو شخص غير مقبول اجتماعيا ويفتقد احترام الآخرين، ومهمتنا تجاه هذا الطبع المنفر، أن نحاول جميعا القضاء عليه من خلال معالجته.
وأول خطوة على طريق المعالجة؛ تتمثل في معرفتنا للأسباب الحقيقية المؤدية إلى تفشي مثل هذه الظاهرة، التي تخلو من معاني التحضر والرقي، وأهم تلك الأسباب التنشئة الخاطئة للطفل، وتعويده على أن يتتبع خطوات الآخرين، ويسأل عن كل شاردة وواردة، وقد تتفاقم المشكلة عندما تحاول الأم الاستفسار عن كل ما جرى من أحداث عند الجيران أو عند أحد الأقرباء وتطلب منه أن يرويها لها بالتفصيل، فيؤدي ذلك إلى ترسيخ مثل هذا السلوك المقيت، الذي يحتاج إلى تقويم، واتباعنا لهذا التصرف السيئ في تربيتنا للأطفال سيصنع منهم أشخاصا متطفلين هدفهم الوحيد هدم جميع الحواجز التي من شأنها حماية خصوصيات الناس، وعدم السماح لهؤلاء الأشخاص الذين لا يعيشون إلا على انتهاك حرمات الآخرين وكشف أسرار الوصول إليهم، ولتكون الأسرة ناجحة وقادرة على إيجاد جيل قوي يتسلح بجميع القيم السامية، فعليها أن تعلم أبناءها احترام حياة الآخرين، لأن الفرد غالبا ما يعكس صورة البيئة التي تربى وترعرع فيها سواء كانت تلك الصورة قبيحة أو جميلة.
وأحيانا قد يعود السبب في انتشار مثل هذا السلوك المستفز إلى حجج واهية كتدخلنا في حياة الآخرين من أجل الإصلاح وتقديم النصيحة، ومهما كانت الحجة التي يختبئ مثل هؤلاء وراءها، فهي لا تبرر لهم أبدا تعديهم على خصوصيات الناس ومعظم الأشخاص المتطفلين قد يجمعهم هدف واحد، وهو إيجاد أخبار يتناقلونها فيما بينهم بقصد التسلية والتشهير، فلا يهمهم ما سيحدث جراء ارتكابهم لذلك، فجل همهم هو إشغال أوقات فراغهم حتى لو كان ذلك على حساب كرامة الآخرين وحرياتهم.
وكثيرة هي المواقف التي قد تكون مدعاة لتدخل المتطفلين، فالفرد منا يمر باستمرار بلحظات من الضيق، يرفض التحدث عنها لأي شخص، لكن المتطفل لا يستوعب هذه النقطة، فتراه يحاول بشتى الطرق معرفة سبب ذلك الضيق بدون أن يحترم رغبة الآخر بعدم الإفصاح عما يحزنه، والتدخل المباشر حتما سيزيدمن حجم الضيق الذي يعانيه الفرد.
ومن بين تلك المواقف أيضا أن يسمح المتطفل لنفسه الاطلاع على رسائل لا تخصه أو التفتيش في حوائج الآخرين بدون داع، وقد يتمادى الإنسان في فضوله، فيدفعه إلى التجسس على مكالمات الناس، فيعرف عنهم أمورا حساسة قد تسبب الأذى أو الإحراج للآخرين.
وتختلف ردة فعل الناس من شخص لآخر في تعاملهم مع الأشخاص المتطفلين، ففي بعض الأوقات تكون ردة فعلنا عنيفة قاسية، لأن كثرة الأسئلة والإلحاح على معرفة الإجابة تفقدنا السيطرة على أعصابنا، وبالتالي تجعلنا ننسى أن هناك أسلوبا مهذبا ينبغي علينا التمسك به مهما كان حجم الضغوطات التي نواجهها، المهم أن نبقى محتفظين باحترامنا لأنفسنا.
وفي بعض الأحيان قد نكون نحن من نسهم في نشر هذا السلوك، من خلال السماح للمتطفلين أن يغوصوا في أعماق حياتنا الشخصية وإطلاعهم على أسرارنا وسردنا لها بالتفصيل، وهذا كله لأننا نخجل من وضع حدود لتدخلهم.
وحتى نكون أشخاصا محبوبين نحظى باحترام الناس جميعا، فلا بد لنا من هجر هذا الطبع المقيت ومحاولة استثماره في كل ما يحقق لنا الخير والفائدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com