مجد جابر
عمان- ظل الخمسيني عماد مسعود ينتظر لأعوام كثيرة، كي يفرح ببناته الثلاث اللواتي رباهنّ أحسن تربية، وعلمهنّ أحسن تعليم، حتى يطمئن عليهن من خلال تزويج كل واحدة منهن بالرجل المناسب الذي يسعد ابنته ويقدرها.
والأب عماد بات مقتنعا بأن حسابات الماضي من الاشتراطات المبالغ بها من الشاب المقبل على الزواج من "مقدّم" و"مؤخر" وذهب، وجهاز، وعفش أمور تعقّد مجرى أي ارتباط.
يقول عماد "الأب الذي يريد "السترة" لبناته يجب أن يتنازل قليلا عن شروطه ومطالبه، ويتفهم حال الشباب حالياً"، متابعا "بات من الصعب جدا طلب كل تلك الأمور التقليدية كالسابق، لقد صار الأب يبحث فقط عن شاب، يتمتع بخلق، وتعيش ابنته معه في هناء، أما باقي الأمور فسوف تأتي فيما بعد".
ويرى كثير من الآباء والمختصين أنه في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشباب، وتزايد "العنوسة" بات لزاما "التساهل" في أمور المهر وتبعات الزواج المالية المرهقة.
وعن ذلك يبيّن عماد "أنّ ما يحدث من تبدل، ومن سوء في أوضاع الشباب، ومن كبر في سن الفتيات، يجعل بعض الآباء يسهلون الأمور على الشباب"، منوها إلى أن المهم في النهاية هو سعادة ابنته مع رجل يصونها، وليس فرض الشروط المبالغ بها، التي قد تؤدي بابنته إلى بقائها بـ "جانبه" في النهاية.
الشاب زيد أحمد، اختار الارتباط بفتاة أحبها، فتقدم إلى أهلها وصارحهم بكل ما يملكه من إمكانات، من دون "لف أو دوران"، وفق قوله، إلا أن ما واجهه بعد هذه الصراحة، كان مفاجأة له، إذ إن والد الفتاة بعدما عرف دخل الشاب وظروفه لم يتردد في طلب أشياء تتجاوز دخله لسنوات إلى الأمام.
ويضيف الشاب زيد الذي رأى أن هذه الشروط مبالغ فيها، ولا يستطيع تحملها، أنه حاول أن يقنع والد الفتاة مرات عديدة، لكن دون جدوى. وبعد فترة من الزمن عاود الكرّة معه وجلس إليه طويلا يشرح له وضعه المادي، ويقنعه بأن الظروف تغيرت، وبأنه متمسك بالارتباط من الفتاة، ويعده بأنه سيوفر لها الحياة الكريمة، وكل الحب والأمان، وما تستحقه من تقدير واحترام.
وظل زيد يحاول إلى أن تفهم الأب في نهاية المطاف واقتنع بوجهة نظره وظروفه، فغير رأيه ووافق على زواجه بابنته، آملا في أن يسترها، وأن يطمئن عليها دوما مع هذا الشاب الذي اطمأن إلى أخلاقه ونواياه.
وتقول الدراسة التي قامت بها جمعية العفاف الخيرية، إن عدد النساء اللواتي بلغن الثلاثين من العمر في العام 2009 ولم يتزوجن بلغ نحو 98633 امرأة، بزيادة 91943 حالة عن سنة 1979، أي أن هذا الرقم قد تضاعف 15 مرة ما بين السنتين المذكورتين. وتقدر الدراسة متوسط العمر عند الزواج بـ 29.6 سنة عند الذكور، مقابل 26.1 سنة عند الإناث.
وبحسب هذه الأرقام يرى الاختصاصي الاجتماعي، ومدير جمعية العفاف الخيرية، مفيد سرحان، أن هذا يؤكد أن هناك مشكلة تتعلق بموضوع الزواج في الأردن، وهو ما يتطلب تضافر الجهود من أجل الحد من هذه الظاهرة، لما لها من انعكاسات سلبية على الأفراد وعلى المجتمع بصورة عامة، سواء كانت هذه الانعكاسات آثارا نفسية، أو اجتماعية أو اقتصادية.
ويرى سرحان أنه بات يلمس في الآونة الأخيرة تزايد الوعي عند الآباء والمجتمع بشكل عام، بخطورة هذه الظاهرة وانعكاساتها الاجتماعية السلبية والمدمرة أحيانا، وأن الدور الكبير في مواجهة هذه الظاهرة هو ذلك الذي يمكن أن تقوم به الأسرة، والفتيات خصوصاً، في التقليل من تكاليف الزواج ومتطلباته المادية، ومن عدم التشدد في مواصفات الزوج، من قبل الفتاة والأهل.
إلى جانب وجوب إعادة النظر في شروط أخرى غالباً ما تشترطها الفتاة أو الأهل، كالمبالغة في توابع المهر، وتكاليف حفلات الزفاف، وقيمة الأثاث التي كثيرا ما تفوق متوسط الدخل لدى الشريحة العظمى من الشباب الراغبين في الزواج.
ويضيف أن أولى أهداف جمعية العفاف هو تيسير سبل الزواج وشروطه، من خلال التوعية والتثقيف، ومن خلال ما تقدمه من مساعدات وقروض للمقبلين على الزواج.
ويرى أنه لا شك في أن المجتمع بحاجة إلى مزيد من الجهود والمبادرات الجماعية والفردية، وإلى إبراز نماذج القدوة الحسنة من الأهل والفتاة، والابتعاد عن المغالاة في التكاليف.
ويؤكد أن تيسير شروط الزواج لا يقلل من قيمة الفتاة، فالفتاة ليست سلعة، بل كائن لا يقل شأنا عن الرجل، لها وزنها وقيمتها التي تكمن فيما تحمله من قيم الحياء والأخلاق، وفي قدرتها على المساهمة بإيجابية في بناء أسرة مستقرة تحقق الأهداف التي أرادها الله منها. وتجدر الإشارة إلى أن معظم حالات الطلاق تتم قبل "الدخلة"، وأن ارتفاع التكاليف من الأسباب الرئيسية للطلاق، وخصوصا في السنوات الأولى من الزواج.
وفي هذا الشأن يقول اختصاصي الطب النفسي، د.محمد حباشنة، إن بعض العائلات أصبحت تتخلى تدريجيا عن العادات المرهقة، لاسيما بعد إدراكها أن إجراءات الزواج التقليدية باتت بلا معنى، وبعد أن صارت تدرك طبيعة الظروف الاقتصادية القاسية، وتقدر أن سعادة الفتاة "أولى وأهم".
ففي سياق مفاهيم هذا المجتمع المتغيرة صار الأب يرى أن الخيار التقليدي، من ذهبٍ ومقدّم، ومؤخر وكل النفقات الباهظة لم تعد مجدية، خصوصاً مع ارتفاع نسب الطلاق، لاسيما وأن تخلي أي طرف عن الطرف الثاني صار أمر مشاعا ويتم بسهولة، بسبب غياب الوعي والاهتمام بالجوانب المادية وحدها.
ويضيف حباشنة أن القراءات الجديدة للزواج دخلت إلى عقل الأردني، حيث أصبح يدرك من الواقع المحيط به أن المبالغات لا طائل من ورائها، قائلا إن هذه القناعات الإيجابية الجديدة لم تأت صدفة، إذ أدرك الكثير من الأهالي، من خلال التوعية تراكم التجارب، والأرقام والدراسات الاجتماعية، والرؤى التي ما انفكت تتبلور في الأذهان تفيد بأن ما كانت تفرضه التقاليد من متطلبات لم يعد اليوم مجديا.
ولذلك بات الأهم بالنسبة لكل أب وأمّ هو معرفة الشاب، والاطمئنان على مستقبل ابنتهما معه. أما الجانب الاقتصادي فأمر أهون ويمكن التفكير فيه فيما بعد.
عمان- ظل الخمسيني عماد مسعود ينتظر لأعوام كثيرة، كي يفرح ببناته الثلاث اللواتي رباهنّ أحسن تربية، وعلمهنّ أحسن تعليم، حتى يطمئن عليهن من خلال تزويج كل واحدة منهن بالرجل المناسب الذي يسعد ابنته ويقدرها.
والأب عماد بات مقتنعا بأن حسابات الماضي من الاشتراطات المبالغ بها من الشاب المقبل على الزواج من "مقدّم" و"مؤخر" وذهب، وجهاز، وعفش أمور تعقّد مجرى أي ارتباط.
يقول عماد "الأب الذي يريد "السترة" لبناته يجب أن يتنازل قليلا عن شروطه ومطالبه، ويتفهم حال الشباب حالياً"، متابعا "بات من الصعب جدا طلب كل تلك الأمور التقليدية كالسابق، لقد صار الأب يبحث فقط عن شاب، يتمتع بخلق، وتعيش ابنته معه في هناء، أما باقي الأمور فسوف تأتي فيما بعد".
ويرى كثير من الآباء والمختصين أنه في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشباب، وتزايد "العنوسة" بات لزاما "التساهل" في أمور المهر وتبعات الزواج المالية المرهقة.
وعن ذلك يبيّن عماد "أنّ ما يحدث من تبدل، ومن سوء في أوضاع الشباب، ومن كبر في سن الفتيات، يجعل بعض الآباء يسهلون الأمور على الشباب"، منوها إلى أن المهم في النهاية هو سعادة ابنته مع رجل يصونها، وليس فرض الشروط المبالغ بها، التي قد تؤدي بابنته إلى بقائها بـ "جانبه" في النهاية.
الشاب زيد أحمد، اختار الارتباط بفتاة أحبها، فتقدم إلى أهلها وصارحهم بكل ما يملكه من إمكانات، من دون "لف أو دوران"، وفق قوله، إلا أن ما واجهه بعد هذه الصراحة، كان مفاجأة له، إذ إن والد الفتاة بعدما عرف دخل الشاب وظروفه لم يتردد في طلب أشياء تتجاوز دخله لسنوات إلى الأمام.
ويضيف الشاب زيد الذي رأى أن هذه الشروط مبالغ فيها، ولا يستطيع تحملها، أنه حاول أن يقنع والد الفتاة مرات عديدة، لكن دون جدوى. وبعد فترة من الزمن عاود الكرّة معه وجلس إليه طويلا يشرح له وضعه المادي، ويقنعه بأن الظروف تغيرت، وبأنه متمسك بالارتباط من الفتاة، ويعده بأنه سيوفر لها الحياة الكريمة، وكل الحب والأمان، وما تستحقه من تقدير واحترام.
وظل زيد يحاول إلى أن تفهم الأب في نهاية المطاف واقتنع بوجهة نظره وظروفه، فغير رأيه ووافق على زواجه بابنته، آملا في أن يسترها، وأن يطمئن عليها دوما مع هذا الشاب الذي اطمأن إلى أخلاقه ونواياه.
وتقول الدراسة التي قامت بها جمعية العفاف الخيرية، إن عدد النساء اللواتي بلغن الثلاثين من العمر في العام 2009 ولم يتزوجن بلغ نحو 98633 امرأة، بزيادة 91943 حالة عن سنة 1979، أي أن هذا الرقم قد تضاعف 15 مرة ما بين السنتين المذكورتين. وتقدر الدراسة متوسط العمر عند الزواج بـ 29.6 سنة عند الذكور، مقابل 26.1 سنة عند الإناث.
وبحسب هذه الأرقام يرى الاختصاصي الاجتماعي، ومدير جمعية العفاف الخيرية، مفيد سرحان، أن هذا يؤكد أن هناك مشكلة تتعلق بموضوع الزواج في الأردن، وهو ما يتطلب تضافر الجهود من أجل الحد من هذه الظاهرة، لما لها من انعكاسات سلبية على الأفراد وعلى المجتمع بصورة عامة، سواء كانت هذه الانعكاسات آثارا نفسية، أو اجتماعية أو اقتصادية.
ويرى سرحان أنه بات يلمس في الآونة الأخيرة تزايد الوعي عند الآباء والمجتمع بشكل عام، بخطورة هذه الظاهرة وانعكاساتها الاجتماعية السلبية والمدمرة أحيانا، وأن الدور الكبير في مواجهة هذه الظاهرة هو ذلك الذي يمكن أن تقوم به الأسرة، والفتيات خصوصاً، في التقليل من تكاليف الزواج ومتطلباته المادية، ومن عدم التشدد في مواصفات الزوج، من قبل الفتاة والأهل.
إلى جانب وجوب إعادة النظر في شروط أخرى غالباً ما تشترطها الفتاة أو الأهل، كالمبالغة في توابع المهر، وتكاليف حفلات الزفاف، وقيمة الأثاث التي كثيرا ما تفوق متوسط الدخل لدى الشريحة العظمى من الشباب الراغبين في الزواج.
ويضيف أن أولى أهداف جمعية العفاف هو تيسير سبل الزواج وشروطه، من خلال التوعية والتثقيف، ومن خلال ما تقدمه من مساعدات وقروض للمقبلين على الزواج.
ويرى أنه لا شك في أن المجتمع بحاجة إلى مزيد من الجهود والمبادرات الجماعية والفردية، وإلى إبراز نماذج القدوة الحسنة من الأهل والفتاة، والابتعاد عن المغالاة في التكاليف.
ويؤكد أن تيسير شروط الزواج لا يقلل من قيمة الفتاة، فالفتاة ليست سلعة، بل كائن لا يقل شأنا عن الرجل، لها وزنها وقيمتها التي تكمن فيما تحمله من قيم الحياء والأخلاق، وفي قدرتها على المساهمة بإيجابية في بناء أسرة مستقرة تحقق الأهداف التي أرادها الله منها. وتجدر الإشارة إلى أن معظم حالات الطلاق تتم قبل "الدخلة"، وأن ارتفاع التكاليف من الأسباب الرئيسية للطلاق، وخصوصا في السنوات الأولى من الزواج.
وفي هذا الشأن يقول اختصاصي الطب النفسي، د.محمد حباشنة، إن بعض العائلات أصبحت تتخلى تدريجيا عن العادات المرهقة، لاسيما بعد إدراكها أن إجراءات الزواج التقليدية باتت بلا معنى، وبعد أن صارت تدرك طبيعة الظروف الاقتصادية القاسية، وتقدر أن سعادة الفتاة "أولى وأهم".
ففي سياق مفاهيم هذا المجتمع المتغيرة صار الأب يرى أن الخيار التقليدي، من ذهبٍ ومقدّم، ومؤخر وكل النفقات الباهظة لم تعد مجدية، خصوصاً مع ارتفاع نسب الطلاق، لاسيما وأن تخلي أي طرف عن الطرف الثاني صار أمر مشاعا ويتم بسهولة، بسبب غياب الوعي والاهتمام بالجوانب المادية وحدها.
ويضيف حباشنة أن القراءات الجديدة للزواج دخلت إلى عقل الأردني، حيث أصبح يدرك من الواقع المحيط به أن المبالغات لا طائل من ورائها، قائلا إن هذه القناعات الإيجابية الجديدة لم تأت صدفة، إذ أدرك الكثير من الأهالي، من خلال التوعية تراكم التجارب، والأرقام والدراسات الاجتماعية، والرؤى التي ما انفكت تتبلور في الأذهان تفيد بأن ما كانت تفرضه التقاليد من متطلبات لم يعد اليوم مجديا.
ولذلك بات الأهم بالنسبة لكل أب وأمّ هو معرفة الشاب، والاطمئنان على مستقبل ابنتهما معه. أما الجانب الاقتصادي فأمر أهون ويمكن التفكير فيه فيما بعد.
majd.jaber@alghad.jo
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق