الأربعاء، 1 أغسطس 2012

الصيام والرضاعة خلال أيام رمضان

صورة

امر مقدس آخر!

الصيام عبادة ربانية تتعدى فوائدها حدود الإطاعة فتقدم للجسم فوائد صحية يصعب حصرها، وإذا كانت الأم المرضعة تتمتع بصحة جيدة ولا تعاني من أي مضاعفات صحية، فيمكنها الصيام ومتابعة روتين حياتها اليومية بما فيه الرضاعة كأولوية من دون تعديل باستثناء الحرص على أخذ قسط كاف من الراحة والابتعاد عن المنغصات قدر الإمكان أو الإجهاد غير المبرر والذي يستوجب صرف سعرات حرارية هي في حاجة إليها لأمر مقدس آخر، إضافة بحرصها بالحصول على المواد الغذائية الضرورية وعلى كمية كافية من الوحدات الحرارية خلال ساعات الغذاء، دون أن تهمل تزويد جسمها بقدر مناسب من السوائل الضرورية والتي تمكنها من أداء العبادة بأجر مضاعف يكلله جدار الحرص على الأداء بكل جوانب الحياة اليومية والابتعاد عن الاهمال تحت مبررات يصعب تصنيفها.


د. كميل موسى فرام
 
استشاري النسائية والتوليد/ مستشفى الجامعة الأردنية
أستاذ مشارك/ كلية الطب- الجامعة الأردنية

 امكن الانسان المعاصر ،وتحديدا خبراء واطباء البشرية ، تلخيص معطيات استمرار تجدد أبناء النسل البشري وقدرتهم على تسخير عناصر الابداع الفكري بفلسفة الحفاظ على أيقونة الفطرة الإنسانية، فهناك أساسيات تتمثل بالزواج والحمل والإنجاب، ولكل من هذه الأساسيات ظروفها التي تحكمها وتسهل ترتيب مفرداتها لتجعل منها أنموذجا يتناسب مع القدر والطموح، وربما التركيبة الفسيولوجية للمرأة باحتضانها الجنين بسنوات التكوين وفرضية العناية به بعد الولادة، قد فرض عليها بمحبة التضحية لتوفير الظروف المثالية لوليدها خصوصا بأشهر العمر الأولى.
 جعل المراة - الام ؛ ترضع الطفل بمراحل النمو الأولى استكمالا لعقد الطموح بفقرات العمر، وأبجديات الرضاعة تتلخص بمعادلة توازن بين عناصر المدخلات والمخرجات بقاعدة رياضية يصعب العبث أو التحايل على تغير أركانها بنتيجة التعادل، فحياة الوافد لعالمنا تعتمد بكل أركانها على السيدة الوالدة، فإن هي تناولت طعامها بشكل منتظم وجيد، فله نصيب في ذلك، وإن هي تقاعست لأي سبب عن ذلك، سينال عقابا لجريمة لم يرتكبها.

 الفوائد الصحية للرضاعة الطبيعية
لن استرسل هنا؛ بالحديث عن الفوائد الصحية للرضاعة الطبيعية لطرفي المعادلة، ولكنني سأختصر القول أن في ذلك فائدة صحية ونفسية وفسيولوجية كبيرة لا تقدر بثمن، والسؤال المتكرر عن إمكانية السيدة المرضعة من الصيام في شهر رمضان المبارك وتأثير ذلك على حياة الطفل ونموه، لأكتب اليوم مقالتي من وجهة نظري الطبية على قدر اجتهادي دون أن أتحمل ذنبا بغير قصد، حيث لا بد من تعامل كل حالة مرضية على انفراد فيمنع التعميم، ويكون الرجوع لأهل الفتوى أمرا مرحبا به وضروريا ليتواءم مع الرأي الطبي حيث أن كليهما يكمل الآخر. 
 الصيام عبادة ربانية تتعدى فوائدها حدود الإطاعة فتقدم للجسم فوائد صحية يصعب حصرها، وإذا كانت الأم المرضعة تتمتع بصحة جيدة ولا تعاني من أي مضاعفات صحية، فيمكنها الصيام ومتابعة روتين حياتها اليومية بما فيه الرضاعة كأولوية من دون تعديل باستثناء الحرص على أخذ قسط كاف من الراحة والابتعاد عن المنغصات قدر الإمكان أو الإجهاد غير المبرر والذي يستوجب صرف سعرات حرارية هي في حاجة إليها لأمر مقدس آخر، إضافة الىحرصها بالحصول على المواد الغذائية الضرورية وعلى كمية كافية من الوحدات الحرارية خلال ساعات الغذاء، دون أن تهمل تزويد جسمها بقدر مناسب من السوائل الضرورية والتي تمكنها من أداء العبادة بأجر مضاعف يكلله جدار الحرص على الأداء بكل جوانب الحياة اليومية والابتعاد عن الاهمال تحت مبررات يصعب تصنيفها.

توأمة الرضاعة والصيام
 ان النظر الى توأمة الرضاعة والصيام، أمر مبسط لمن يستطيع إدراك حقيقة كل منهما ليخلص بعدم وجود جواب شافٍ ينهي الأمر بفقرة أو فتوى مستعجلة، فقد يكون التعميم بالجواب نفيا أو موافقة نوعا من الخطأ الذي لا يمكن إصلاحه، حيث لا بد التذكير بأبجديات الرضاعة والتي تتمثل بتكون الحليب للطفل من المواد الغذائية التي تتناولها السيدة المرضعة، وحاجة الطفل لدغدغة الثديين مرات متعددة بساعات الليل والنهار فالرضاعة أو كمية إنتاج الحليب اللازمة تعتمد على كمية السوائل والغذاء السليم المتوازن بعناصره والذي تتناوله الأم المرضعة والذي ينقص عادة أثناء الصيام عند معظم النساء، ولكن كثيرا من النساء المرضعات تدرك حرصها على ممارسة فريضة الصيام بتخزين كمية مناسبة لإشباع رضيعها في الوقت والاختيار المناسب.
 هنا تعتمد قدرة المرأة على اجتياز فترة الصيام والرضاعة على عدة عوامل أهمها الرضاعة المستمرة، وتناول الغذاء السليم المتكامل والراحة الجسدية، وتحقيق هذه العوامل بتوافق تصبح الرضاعة أثناء الصيام ناجحة ودون ثأثير سلبي أو خوف عليها أو على طفلها، أما إذا ما نقص أحد هذه المتطلبات فقد يؤدي ذلك إلى تأثير سلبي ويجب تقدير ضرره قبل وقوعه.

 عمر الطفل ووضعه الصحي 
 السيدة المرضعة عليها أن لا تتوقع إمكانية الصيام بسهولة في جميع الأحوال، حيث يقول معظم رجال الدين أن الأم المرضعة مثل حال المريض أو الشخص الذي على سفر، فلديها عذر خاص لعدم الصيام إن هي رغبت، حتى أن البعض يقول أنه من الخطأ إغفال النظر عن هذه اللفتة الطيبة والصوم حين يحق لهن ألا يفعلوا.
 فقرار الرضاعة والصيام يرتبط بمجموعة من العوامل والأمور التوافقية والخلافية منها وكل حسب اجتهاده، لكن الأمر غير الخلافي أبدا قد يكون عمر الطفل ووضعه الصحي وهو العنصر الأساسي والحاسم، وعموما من غير المحتمل أن يؤذي الصيام كحدث مجرد الطفل أثناء الرضاعة، ولكن على الأم المرضعة أن تعلم أنها سوف تشعر بتأثيرات الصيام وربما تحتاج للتوقف قبل أن يؤثر على إنتاج الحليب لديها.
 يجب على الأم المرضعة أن تشرب بحدود 8 إلى 12 كأسا من الماء والحليب أو العصير يوميا، على أن يؤخذ بعين الاعتبار التوازن بين المواد الغذائية المهمة لتسهيل ضبط معادلة السعرات الحرارية، فعليها تناول حوالي 400 إلى 500 وحدة حرارية إضافية يومياً، وخلال فترة الصيام قد تنخفض نسبة الدهون في هذا الحليب، فيشعر الطفل الرضيع بالجوع ويزداد طلبه على الرضاعة ويكثر من زياراته إلى الثدي وهو أمر لا يعني أن هناك مشكلة طارئة تستوجب قطع الصيام.

 خلاصة
 ان حليب الأم المرضعة يتغير من حيث التركيب قليلا على مدار الساعة، ويعتمد التغير هذا على عدة عناصر وأهمها نوعية الطعام الذي تتناوله واحتياجات الطفل في الفترة العمرية وحرص المرضعة على تخزين رصيد يكفل استمرار العطاء. 
 قبل أن أختم، فأريد التأكيد والتوضيح أن الصيام يفيد الجسم عموما، لأنه مطلب رباني على المؤمنين أداءه، وينظم عملية حرق الدهون وخسارة الوحدات الحرارية، وإذا كانت الأم تتمتع بصحة جيدة، فثواب أداء المهمتين يكون مضاعفاً، والبحث عن أسباب للهروب من الاستحقاق، يمثل جريمة تلغي كل الحسنات وللحديث بقية.

 خبرات
أظهرت إحدى الدراسات الطبية المهمة أن الصيام لمدة عشرين ساعة لم يترك أي انعكاسات على مستوى إنتاج الأم للحليب ولم يؤثر على قدرتهن على الرضاعة بشكل طبيعي أبدا، لكن الأمهات اللاتي شاركن فيها كن يشربن الماء بشكل شبه كامل وأساسي، فيبدو أن الجسم يعوض النقص في الغذاء والسوائل وينشط أكثر في إفراز الطاقة والحذر من العطش الدائم مع النقص الحاد في التعويض بالسوائل المناسبة قد يؤدي للإصابة بالجفاف خصوصا عند الشعور بالعطش الشديد، أو عندما يصبح لون البول داكنا أو شديد الرائحة، أو الإحساس بالدوخة، أو الإغماء، أو الضعف، وحذاري إن شعرت المرضعة بهذه الإشارات أو العلامات، فعليها واجب كسر الصيام وشرب بعض الماء والسوائل دونما تأخير مهما كان الزمن المتبقي على الصيام وأخذ قسط وفير من الراحة وهي معذورة في ذلك.


عدد الحفاضات المبللة أقل !

 هناك مؤشرات وعلامات ترتبط بسلوك الطفل، وبالتالي ترشد بعدم حصوله على كمية الحليب اللازمة أثناء الرضاعة ويجب أن يؤخذ ذلك بعين الاعتبار في أمور متعددة، فمثلا إذا أصبح عدد الحفاضات المبللة أقل من المتوسط المعروف، أو أصبح لون البراز يميل للون الأخضر، أو هناك استمرارية للصراخ والأنين والبكاء، أو خسارة في الوزن أو/و عدم اكتساب وزن إضافي يتناسب مع النمو والعمر والغذاء حسب جدول التطور، فكل ذلك مؤشرات مرضية تلزم السيدة المرضعة على إعادة أولويات حياتها بتوافق حتى يصبح الصوم والرضاعة فصلاً حياتيا رائعا مكملاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com