الدكتور إياس نهاد الموسى
استشاري أمراض القلب والشرايين
رئيس اللجنة العلمية- جمعية القلب الأردنية
= المكان: مصنع ضخم في ضاحية نائية
=الزمان: أي زمان
= الحدث :
آلة ضخمة من الفولاذ تحتوي على عجلات وتروس هائلة الحجم ، تدور وتدور بلا توقف ، صوتها يصمّ الآذان ، على كل عجلة وترس الآلاف من البراغي الصغيرة التي تثبت كل طبقة بالطبقة التي تليها ، ليس في المصنع أية مخلوقات حيّة ،بل تدور الآلات بمفردها .
البرغي رقم 1985625 هو برغي صغير في إحدى العجلات ، يدور ليلاً و نهاراً بلا توقف .
في إحدى الأيام جرّب هذا البرغي الصغير الحديث مع البرغي الذي بجانبه في العجلة ، صاح بأعلى صوته : ياهذا ، هل تسمعني ؟ لم يسمع أية استجابة ، كرّر المحاولة مرات ومرات حتى مساء يوم من الأيام سمع فيه صوتاً يرد ؟ ماذا تريد ؟ بسرعة
- أريد أن اخرج من هنا !
- - هل أنت مجنون ، لماذا تريد الخروج من هنا ؟ وكيف عرفت أن هناك خروجاً من هنا ؟
- أريد الخروج وحسب ، ساعدني إن استطعت .
- أولاً : أنا لا أنصحك بالخروج ، ثانياً : أنت لا تعرف أين ستذهب ، ثالثاً ما الذي يجعلك تفكر بالخروج ؟
- لقد مللت كوني برغياً في آلة لا تعرف ماذا تعمل وماذا تنتج ، اشعر أنني انتمي إلى مكان أخر أو على الأقل آلة أخرى اعرف ماذا تصنع .
- اسمع ،إذا أردت الخروج فعليك أن تدور دورة كاملة عكس عقارب الساعة مرة واحدة كل يوم ، وبعد 17 يوماً سوف تنفصل من هذه الآلة ، ولكن كن مستعداً للقفز بسرعة لئلا تحطمك الآلات المجاورة .
- وهل تظن أن خروجي من الآلة سيؤثر عليها سلباً ؟
- ماذا ، أنت مجرد برغي ، لاتكن مغروراً ، هناك آلاف البراغي يدورون « بسعادة» في هذه العجلة وحدها ، لن يشعر أحد بغيابك .
- ياللأسف ، عل الأقل اذكروني بالخير
- صدقني ،لن يذكرك احد لا بالخير ولا بغيره .
قرر البرغي ترك الآلة ، وقام بالدوران كل يوم دورة واحدة عكس عقارب الساعة ، وفي اليوم أل 17 قرر أن اليوم هو موعد الدورة الأخيرة وما أن أنهى دورته الأخيرة حتى شعر بنفسه يطير في الهواء مسافة شعر أنها ) الآف الأمتار ) مع أنها فعلا لا تتجاوز المترين ، وارتطم بالأرض ارتطاماً شديداً وثم تدحرج باتجاه الباب .
- كانت الشمس حارقة للبرغي الفضي الذي لم يرَ الشمس في حياته ، شعر بلسعات الحرارة تحرق رأسه المستدير ثم ساد شعور بالدفء الجميل لم يستمر الا ثوانٍ .
- ماذا تفعل هنا ؟ سمع صوتاً بجانبه ، كان هذا صوت برغي برونزي اللون ( من أشعة الشمس )، يبدو عليه قليل من المودة .
- لقد هربت من الآلة ، وأنت ؟
- لقد هربت مثلك أمس ، واخطط ألان لخطواتي القادمة .
- هل تعني أن هناك حياة غير حياة براغي الآلة التي كنا نعيشها ؟
- يا عزيزي ، أنت لم تكن تعيش ، لم تكن حيَاً ، هل تسمي تلك حياة ، أنت ألان في يومك الأول من الحياة الحقيقية .
- ولكن،هناك أسئلة كثيرة لدّي
- اعرف
- مثلاً هل أنا برغي فعلاً ؟ لقد ولدت بُرغياً ولكني اشعر أن أجدادي كانوا شيئاً أخر
- نعم، أجدادك كانوا «مسامير» ولكن الزمان حوّلهم إلى براغي صغيرة .
- وماذا عن أجداد أجدادي ؟
- ربما كانوا أكثر من ذلك…. لا ادري
- ما اسمك ؟
- انا برغي 1980722 أنا اكبر منك ب 5 سنوات .
- اسمع أريد أن أغير اسمي من رقم إلى اسم ، ما رأيك ؟
- هذا مبكر جداً ، يجب أن تكسب اسمك أولاً
- حسناً ، ما الخطة الان ؟
- لنتدحرج على هذه التلة إلى تلك الغابة الصغيرة ونرى ماذا يحدث
- تدحرج البرغيان على التلة ، وصولاً إلى الغابة الصغيرة تحت أشعة الشمس الدافئة ، وسرعان ما وجدا أنفسهما في مكان جميل ، يحوي براغي ملونة وزاهية وسعيدة ترقص وتغني بكل فرح
- نعم ،هذا هو المكان ،هذه هي الحياة ، أنا مسرور أننا غادرنا هذا المصنع المشؤوم .
- مرحباً ،سمع صوتاً بجانبه .
- أهلا وسهلاً ،رد مسرعاً على (البرغية ) الجميلة التي كانت تقف بجانبه .
- هل أنت جديد ؟
- نعم ، اليوم هربت من الآلة !
- ما أشجعك ، أحب البراغي الشجعان
- ما رأيك أن ادعوك إلى فنجان من…. الزيت ، وتحدثيني أكثر عن نفسك ؟
- وكان ما أراد البرغي ، تزوج (برغية ) جميلة و أنجب العديد من البراغي متعددة الأحجام وعاش سعيداً في ارض البراغي الخضراء
-تظهر الدراسات الحديثة وجود علاقة قوية بين حدوث أمراض القلب وشعور الإنسان بأنه عديم الجدوى أو غير مساهم في المجتمع أو غير مفيد لنفسه ولغيره ، ويولد هذا الشعور بعدم الأهمية احباطاً عميقاً يؤدي إلى تغييرات سلبية في النفسية تنعكس عضوياً على شكل أمراض مزمنة فيزيد احتمال حدوث أمراض السكر و الضغط والشرايين والجلطات ....الخ
ويزداد التركيز على تقييم الوضع النفسي و الاجتماعي لمرضى القلب وزيادة حجم التداخل العلاجي (السلوكي والدوائي) عند هؤلاء المرضى لما لذلك من آثار ايجابية على استجابة المريض للعلاج بشكل عام وعلاج القلب بشكل خاص.
- إذا كنت تشعر انك برغي في آلة ،لا تملك من أمرك شيئاً ، وانك تدور وتدور بلا فائدة ،فاعلم أن هذا المقال لك وحدك ، أما إذا لم تشعر بذلك فأنت إما من المحظوظين الذين يعيشون في غابة البراغي الخضراء ، أوممن لا يدركون ضخامة حجم العجلة التي يدورون معها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق