الجمعة، 17 أغسطس 2012

المتنبي وكافور .. ويبقى الشعر

صورة

يكتبها سامح المحاريق - المتنبي هو أكثر الشعراء العرب موهبة وشهرة عبر العصور، هل هذا حقيقي؟ هل يستحق المتنبي أن يكون بالنسبة للعرب في نفس المرتبة التي احتلها جوته لدى الألمان، أو شكسبير عند الإنجليز، هوميروس مع الإغريق، وأين موقع المتنبي من هؤلاء الشعراء الذين أصبحوا عناوين لقومياتهم، وهل المقارنة مع الآخرين هي المدخل الصحيح، أم يجب أيضا أن يقارن المتنبي مع الشعراء الآخرين في تاريخ العربية، وما هو سبب وجود الإجماع لدى العامة والخاصة على تقدم المتنبي على جميع الشعراء، وما هي إضافة المتنبي التي تجعله يستحق هذه المكانة. 
لم يقدم المتنبي ثورة شعرية، واحتفظ بالنمط التقليدي للقصيدة العربية في شكلها ومضمونها، ولكن ما يميز قصيدته كان قدرته على استنطاق الصورة الشعرية بالعديد من المعاني وتكميلها بالروعة، بحيث أصبحت دائما محلا لكثير من التأويل، وأثارت الخلاف بين الناس حولها، وهو الأمر الذي رأها المتنبي مدعاة لأن يفخر به، فيقول: أنام ملء جفوني عن شواردها.. ويسهر الخلق جراها ويختصم، ولكن ذلك لا يكفي ليكون المتنبي شاعر العرب، فليس من أمة يمكنها أن تعطي هذه المكانة لرجل انتهازي بامتياز، تأرجح بين سيف الدولة وكافور الإخشيدي، ومع الأخير ارتكب جريمته ذائعة الصيت، وهو التشنيع العلني والقذف والسب والعنصرية البغيضة، لا لشيء ولكن لأن كافور نجح فيما فشل فيه المتنبي، لأنه رجل كان ببساطة يفعل ويعمل، قبل أن يهتم بالكلام، ولم تكن بضاعة المتنبي سوى كلمات يدفعها للناس عن يمين وشمال. 
أبو المسك كافور، ذلك العبد الحبشي الذي واصل بناء الدولة الإخشيدية بعد وفاة سيده التركي، ولولا أنه أهل للثقة لما تمكن من أن يصل إلى هذه المكانة من الأساس، واعتنى كافور كثيرا بالعلوم والآداب، ولكنه كان يعلم في نفسه مدى وجود المنافقين من حوله، فهو تابعهم وعرفهم منذ أن كان يقف على هامش السيد الإخشيدي، ويعرف حيلهم وطرائقهم، ولذلك لم يكن ليطرب لأقوالهم أو أشعارهم، وكانت هذه مشكلة المتنبي الذي أتى بناء على السمعة الكبيرة التي عرفت عن كافور في دعمه للأدب والعلم، ولكن المتنبي لم يدرك أن ذلك لا يعني الترحيب بالنفاق، فهو يرعى الأدب والعلم لمصلحة دولته وبما يفيدها، وليس لغاية شخصية، ولذلك فإن المتنبي لم يكن الشخصية التي تلقى الترحيب لدى كافور، وإنما استبقاه لفترة من الزمن للنكاية بمنافسه سيف الدولة الحمداني في الشام. 
المتنبي مضى غاضبا بعد فشل إقامته لدى كافور، وأنشد قصيدته المليئة بالفحش والعنصرية والتي تعد وصمة في تاريخه هو، وليس تاريخ كافور...
لا تشتَرِ العَبد إلا والعَصَا معه *** إِن العَبِيدَ لأنجاسٌ مَناكيد
ما كُنتُ أَحسَبُني أَحيا إلى زَمَن *** ٍيُسيء بي فيهِ عَبد وَهْوَ مَحمودُ
وَلا تَوهمتُ أَن الناس قَدْ فُقِدُوا *** وأًن مِثْلَ أَبي البيضاءِ مَوجودُ
وأَنَّ ذَا الأَسْوَدَ المَثْقوبَ مشْفَرُهُ *** تطِيعُهُ ذي العَضارِيطُ الرعادِيد
بعد ذلك بسنوات توفي كافور وأخذ جثمانه ليدفن بالقدس، وكان ذلك تكريما لأفعاله في حياته، ولكن القصة لا تكتمل عند هذه النقطة، فالمتنبي فيما يقال كان يعرف فضل كافور وأي رجل هو، وأنه كان مخطئا في كل ما قاله تجاهه، ولعل شهرة المتنبي أسهمت في ذيوع قصيدته حول الإخشيدي بصورة ضربت الآفاق ومضت بين الناس وسافرت عبر العصور، وما زال الناس يستشهدون بأبياتها وخاصة مطلعها: عيد بأي حال عدت يا عيد!! ويقال إن المتنبي حين شاهد قبر كافور أنشد بيتين لم يكتب لهما الانتشار كثيرا في رثاء الرجل وإنصافه فقال: 
مابال قبرك ياكافور منفرداً
بالصّحصح المرت بعد العسكر اللجب
يدوس قبرك أحاد الرجال وقد
كانت أسود الشري تخشاك في الكتب
إن المتنبي يستغرب أن يمشي الرجال بجانب قبر كافور وأن يدوسوه بأقدامهم، مع أن صاحب القبر كانت الرجال تخشاه دون أن تلقاه أحيانا، وكان يكفي بأن يرسل كتابا أو أمرا ليطيعه الجميع، رحل المتنبي وكافور وبقي الشعر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com