منى أبوحمور
عمان- اعتدنا سماع كلمات الشكر والثناء والعرفان بالجميل للأم التي تحتضن أبناءها بنبع من الحنان الذي لا ينضب، غافلين أحيانا عن ذلك الضوء الخافت الذي يلقي بظلاله على ست البيت؛ ليمدها بالقوة والأمان حتى تواصل مشوارها في عملية البناء والنماء لأفراد الأسرة.
إنه الأب بحروفه القليلة، وأفعاله التي تحمل بين طياتها الحزم، والشدة، والحنو، والسعي لتلبية متطلبات الأبناء واحتياجاتهم، تبقى تلك العاطفة دفينة في تلك الكلمة، فتجدها تهب عند أول موقف يختبر فيه دوره كرب أسرة لا يقل حنانه عن حنان الأم.
"لن أنسى يوما كيف كرس حياته لأجلي"، تعترف العشرينية ليلى الخالدي، التي تعرضت لحادث سيارة أفقدها القدرة على المشي، بدور الأب الذي أصبح منذ ذلك اليوم بمثابة نقطة ارتكاز لها عوضها عن خسارة قدمها.
وتقول: "استطاع بعطفه وحنانه أن ينسيني آلامي وبحزمه، أن يجعلني أكثر إصرارا"، مؤكدة أن وقوف والدها إلى جانبها ليس بالأمر الغريب عنه، خصوصا و"أننا في البيت اعتدنا على حنانه ووقوفه معنا واهتمامه بكل احتياجاتنا".
وتصف الخالدي، مدى سعادتها وفخرها اللامحدود بوالدها الذي كان يهتم بالتفاصيل الصغيرة لحياتها، حتى تيقنت أن حاجته لها كحاجة الإنسان للماء.
أما العشرينية شروق العطيوي، فقد شكل فقدانها لوالدها فجأة ومن دون مقدمات، صدمة كبيرة وخسارة لا تعوض في هذه الحياة، متمنية أن تستيقظ من هذا الكابوس المزعج، تقول "بوفاته خسرت الجدار الذي أستند عليه في حياتي"، كما تقول.
وتصف حالها بأنه أشبه بالضياع والوحدة والفراغ الذي تعيشه وعائلتها منذ ذلك الوقت، مؤكدة أن هذا الإحساس لا يعرفه إلا من جربه وعاشه، ومن ذاق طعم مرارة خسارة الأب.
وتتحدث وهي تبدي حسرتها على غيابه، بأنها في كثير من الأحيان تشتاق إلى تلك النبرة العالية، التي تميز صوته عند غضبه، والعقاب الذي يفرضه عليهم في البيت عند تقصيرهم في أي شأن كان، وكذلك إلى تلك الابتسامة التي يغمرهم بها عندما يعجبه شيء ما.
ويرى اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين محادين، أنه من غير الدقة تعميم كلمة أب على الجميع، سيما وأن هناك من هم غير جديرين بهذا اللقب، في وقت يشير فيه إلى مرادفات في اللغة العربية لكلمة الأب مثل "الوالد"، وهو لفظ بيولوجي يعبر عن نسب الابن بوالده.
ويؤكد أن الأب يتحمل أعباء تربوية ومادية لتأمين حياة كريمة لأبنائه، الأمر الذي يعتبر أنموذجا يخوله في حال نجاحه بأن يكون أبا وليس والدا، معتبرا أن الأب بوصلة البيت، ويشارك زوجته في المنزل بصورة تكاملية وليس تفاضلية.
ونظرا للدور التكاملي بين الزوجين يجد محادين، أن الآباء وفي إطار دورهم في المجتمع يعملون على إكساب أبنائهم خبرات الحياة المختلفة، بدءا من الإشباع العاطفي والتربية المتوازنة، وصولا إلى بث الطموح والآمال.
ويتمثل الجزء العاطفي عند الآباء كونه مولّدا للأجواء الحميمة في العائلة، وفقا لقوله، مشيرا أن الأب يمثل قدوة متجددة للأبناء، وهو مثار اعتزاز بالنسبة للزوجة، لأن نجاحه في إدارة بيئته الأسرية، هو تعميق لهوية العائلة والأسرة نفسها.
ويقول: "تكمن قدرة الأب والأم معا في رفد المجتمع الأكبر بأبناء طبيعيين، لديهم القدرة على التكيف مع الشروط التي تتطلبها مؤسسات المجتمع الأخرى مثل المدرسة، الجامعة، أو حتى مؤسسة الزواج"، مؤكدا أن حصولنا على هوية مجتمع من حيث التسامح والديمقراطية وتقبل الآخر يكمن في طبيعة العلاقات الأسرية في ذلك المجتمع.
ويؤكد اختصاصي علم الاجتماع الأسري الدكتور فتحي طعامنة، أن الأم بطبيعتها نبع للحنان والوفاء والعطاء، إلا أنها غالبا ما تنظر إلى الأمور بالعاطفة المجردة، في حين يغلب على تفكير الآباء العقلانية.
ويفكر الأب بمصالح الأسرة وينظر إليها بزوايا عديدة، بحسب قوله، لكنه بنفس الوقت يقر بالدور التكاملي لكل من الأب والأم، فإذا أخذت الأم الجانب العاطفي يأخذ الأب العقلاني.
ويلفت طعامنة إلى ضرورة لجوء الأب إلى الجانب العاطفي في تعامله مع أبنائه، منوها إلى أن العقلانية في كثير من الأحيان لا تجدي نفعا مع الأبناء، "ولو نظرت الأسرة إلى الدور العظيم الذي يقوم به الأب لعرفوا أهمية وجوده وثقل وزنه في الحياة، فهو الموجه والبوصلة وصاحب الرافعة الحقيقية لقوامة الحياة وهي الإنفاق"، بحسب ما يقول.
ويجد اختصاصي علم النفس الدكتور أحمد الشيخ، بأنه من المعتقد أن دور الأب يقتصر على الدعم المالي للأسرة، في حين تم ربط دور الأم بالتربية والتنشئة والأمور العاطفية، غير أن الأب لا يقل أهمية في الجانب العاطفي عن الأم، إضافة إلى الأعباء المادية التي يتحملها، مؤكدا الآثار الإيجابية التي يتركها لدى الأبناء، سيما عندما يكون مشاركا لهمومهم ومستمعا جيدا لهم، ومنخرطا بالأدوار التربوية للأبناء.
ويطالب الشيخ بإعادة تعريف الأب ومكانته، فهو ليس مقتصرا على الحزم، والجدية ووضع القوانين، فله دوره الذي يتعلق بمجموعة من المسؤوليات التربوية، وبنفس الوقت فإن على الأبناء أن يقدموا لآبائهم الاهتمام والرعاية الكافية والدعم الذي يحتاجونه، فقد ربى أبناءه وأخلص في تربيتهم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق