نادين النمري
عمان - "عام مرّ ونحن نعيش في متاهة"، هكذا يصف ضياء حال أسرته بعد أن شخص المختصون وضع ابنه البالغ من العمر عامين وعشرة أشهر، بإصابته "باضطراب التوحد".
ورغم تشخيص الحالة، لكن ضياء فشل في إيجاد مركز يعطي وصفا دقيقا وتأهيلا مناسبا لحالة طفله.
يقول ضياء "منذ أن بلغ طفلي عامه الأول، راودتنا شكوك حول طبيعة تصرفاته وعدم استجابته لنا، ما جعلنا نشكّ بوجود مشكلة في السمع"، مشيرا إلى ان "الأطباء استخفوا بملاحظتنا، إذ كانت التقارير الطبية تقول ان لا مشكلة في السمع لديه، وأنه ما يزال صغيرا على تقييم مهاراته".
ويتابع "رغم تطمينات الأطباء، لكني وزوجتي لم نقتنع بالتشخيص الطبي له، إلى أن اقترحت علينا احدى الممرضات مراجعة مركز متخصص لتشخيص التوحد"، مشيرا إلى أنه من خلال استماع المركز لملاحظاتنا، تم تقييم وضعه على انه "مصاب باضطراب التوحد".
ورغم تحديد الثاني من نيسان (أبريل) من كل عام يوما عالميا للتوعية باضطراب التوحد وتسليط الضوء على الحاجة الى تحسين حياة الأطفال والبالغين المصابين من قبل الأمم المتحدة، الا ان الأهالي يعانون من النقص الحاد في المختصين في هذا المجال.
ويؤدي اضطراب التوحد، الى ضعف النمو مدى الحياة، وتظهر علاماته خلال الأعوام الثلاثة الأولى من العمر، وينجم عنه اضطراب عصبي يؤثر على وظائف المخ، ومن سماته العجز عن التفاعل الاجتماعي، وصعوبة التعبير بالكلام وبأي وسيلة أخرى، واتباع نمط محدد ومتكرر من التصرفات والاهتمامات والأنشطة.
ويبين ان ابنه حاليا ملتحق بمركز للتربية الخاصة، إلى جانب تطبيق توصيات المجلس الأعلى للتعامل معه، موضحا ان ارتفاع رسوم المراكز المختصصة بالتوحد حالت دون تمكنه من تسجيل ابنه فيها، خصوصا ان رسومها تتراوح ما بين 600 إلى 700 دينار شهريا.
وتتطابق تجربة ضياء مع أم محمد، وهي والدة لطفل يبلغ من العمر اربعة أعوام، وتقول: "تشخيص حالة ابني جاء متأخرا، إذ لم نتمكن من معرفة حقيقة وضعه حتى بلغ من العمر ثلاث سنوات".
وتضيف: "لم يتمكن أي من الاطباء من تشخيص حالته في الأردن، كون درجة اضطراب التوحد لديه بسيطة، إذ إن تشخيص الحالة تم من قبل اخصائية في لبنان العام الماضي.
وتشكو أم محمد من نقص المختصين في مجال تشخيص وتأهيل المصابين باضطراب التوحد، مشيرة إلى ان ابنها ملتحق بإحدى دور الحضانة، اضافة إلى خضوعه لمتابعة من قبل مدرسة متخصصة بالتربية الخاصة، فضلا عن مدرب لغة، ما يشكل عبئا ماديا كبيرا.
ويقول أستاذ التربية الخاصة في الجامعة الاردنية، المتخصص في اضطراب التوحد، الدكتور رائد الشيخ ذيب، إن التوحد اضطراب نمائي عصبي معقد ومزمن ومتداخل، يظهر في السنوات الثلاث الأولى من حياة الطفل، موضحا انه لم يتم التوصل لأسبابه بشكل واضح، وكل ما هو متوفر حاليا مجرد نظريات.
ويضيف ان الاضطراب يتضمن عجزا في مجالات اللغة والتفاعل مع الاخرين واللعب، والتخيل وفهم المشاعر والتعبير عنها.
وفيما يبين ان اضطراب التوحد يشمل خمس فئات هي، التوحد واضطراب "ريت" واضطراب تفكك الطفولة، واضطراب "أسبرجر"، والتوحد غير النمطي أو ما يسمى الاضطرابات النمائية الشاملة غير المحددة أو صفات التوحد، يقدر الشيخ ذيب أعداد المصابين بهذا الاضطراب في الأردن بنحو 7500 شخص.
ويشير الى انه لا يوجد أي فحص طبي أو تصوير شعاعي ممكن، من خلاله تشخيص الحالة، إنما يتم ذلك من خلال الملاحظة السلوكية المباشرة للطفل، وباستخدام اختبارات محددة، من خلال المتخصصين.
ويلفت الى ان الرضيع المصاب باضطراب التوحد، تظهر عليه علامات معينة، كالتحديق المستمر في الأشياء وضعف التواصل البصري مع الأم أثناء الرضاعة، وعدم الشعور بالانزعاج في حالة تركه وحده، والبكاء والصراخ في حالة اقتراب الأم منه لأجل حمله، فضلا عن تقوس الظهر عند محاولة احتضانه.
ويضيف ان العلامات بعد العام الأول، تشمل إعادة الكلام الذي سمعه في الوقت السابق او الحالي، وعدم القدرة على التعبير عن احتياجاته الشخصية حتى بالإشارة، وظهور مشكلات الطعام في النصف الثاني من العام الأول للطفل وبعده، فضلا عن اتباع الطفل لروتين قاسٍ والإصرار عليه، وقد يكون هذا الروتين زمانيا أو سلوكيا أو مكانياً، وعدم القدرة على تشكيل جمل ذات معنى، بالرغم من الصدى الصوتي.
من جهتها، تقول رئيسة قسم التدخل المبكر بالوكالة في المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين رزان الكردي، إن الآلية المتبعة للتدخل المبكر تتم على مرحلتين، الأولى في منازل الأطفال، وتهدف الى تدريب سائر أفراد الأسرة على كيفية التعامل مع طفلها، وتدريبه وتنمية قدرته منذ الولادة حتى السنوات الثلاث الأولى، والثانية في المراكز التعليمية ورياض الأطفال، منذ ثلاث ولغاية ست سنوات، مشددة على انه كلما كان الكشف المبكر أسرع فإن التطور يكون أكبر.
وأكدت الكردي، أن المجلس الأعلى عقد دورة لأمهات الأطفال ذوي اضطراب التوحد، هدفت الى توعية الأسر بكيفية التعامل مع أطفالهم وتعديل سلوكهم، وسيعمل على تكرار مثل هذه الدورات في مناطق مختلفة من المملكة.
ولفتت الى ان تشخيص الاضطراب، يتم من قبل فريق متعدد التخصصات: أخصائي تربية خاصة، أخصائي علم نفس، طبيب أطفال، إضافة الى الوالدين، وفحوصات السمع والبصر، وبعد ذلك تتم إحالته الى برامج التدخل المبكر، التي يتم من خلالها تدريب الطفل على تنمية مهاراته وقدراته بجميع جوانب الحياة، من ناحية الاستقلالية، واللغة، اولحركة، والمعرفة، والاجتماع، والاعتماد على النفس، فضلا عن تدريب الأسرة على كيفية التعامل مع الطفل.
ويبين الناطق باسم وزارة التنمية الاجتماعية الدكتور فواز الرطروط، أن الوزارة توفر خدمات التأهيل للمصابين باضطراب التوحد، عن طريق ستة صفوف أوجدتها في مركز المنار للتنمية الفكرية في المدينة الرياضية، ومركز الأمل الجديد، ومركز الزرقاء الشامل للتربية الخاصة.
وأوضح ان هذه الصفوف تعمل على إكساب المصابين بالتوحد مهارات الاتصال، والتواصل البصري والجسدي واللغوي.
ويؤكد أن عدد المصابين بالتوحد المستفيدين من خدمات الوزارة، يبلغ 322 مصابا، منهم 42 يتلقون خدمات من قبل مراكز الوزارة، و6 تشتري لهم الوزارة الخدمات من بعض مراكز القطاع الخاص، و248 يتلقون خدمات 7 مراكز خاصة، و32 يتلقون خدمات 3 مراكز أهلية تطوعية.
وتابع ان عدد المراكز والصفوف، التي تقدم خدماتها للمصابين بالتوحد، يبلغ 18، منها 7 لوزارة التنمية الاجتماعية، و7 للقطاع الخاص، و4 للقطاع الأهلي التطوعي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق