تغريد السعايدة
عمان- في الوقت الذي يعتبر كثيرون أن التدخين "غير مقبول" على الفتيات في المجتمع المحلي، وأنه على المدخنات أن يتوارين عن الأنظار أثناء التدخين، في هذا الوقت يُظهر تقرير منظمة الصحة العالمية الإحصائي، الذي يصنف "الأردن في المرتبة الثالثة، كأسوأ دولة في إقليم الشرق الأوسط، في مجال انتشار التدخين بين فئة الإناث"، فقد حذرت المنظمة في التقرير ذاته من "زيادة أعداد المصابين بالسرطان في المملكة، ومن ضمنهم النساء".
كثير من الفتيات يعتبرن تدخين المرأة في الأردن مسألة "عادية، كغيرها من العادات اليومية التي يقوم بها الرجال"؛ إذ تؤكد العشرينية بثينة أن الفتاة المدخنة "لم تعد تلاحقها علامات استفهام"، منوهة إلى أن "صديقاتي مدخنات، وأنا أمتنع عن التدخين من الناحية الصحية فقط".
وحول نظرة أهلها لمسألة التدخين، تقول بثينة إنها لمست من خلال مناقشتها معهم حول التدخين أنهم لا يمانعون، ولكن في حالات معينة، وظروف معينة "وليس على الملأ"، على حد تعبيرها، حيث إن والدتها الخمسينية تدخن منذ فترة طويلة، ولا يمانع والدها من ذلك، لكنها تقول إن أخاها لا يحبذ التدخين.
أما هادية، التي تدخن ضمن حالات معينة، فتقول إنها لا تدخن إلا السجائر "قليلة النيكوتين"، فهي لا ترى في ذلك "إساءة للفتاة"، بل عبارة عن "لون من ألوان التسلية وتفريغ للطاقة السلبية الكامنة في نفوسنا". بيد أنها لا تنفي محاولتها التقليل من هذه العادة، لتجنب الأضرار الصحية التي تنتج عنها، والتي تؤثر سلباً على المظهر الخارجي للفتاة.
وفي ذلك، يؤكد أستاذ علم الاجتماع في جامعتي مؤتة والبلقاء التطبيقية، الدكتور حسين محادين، أن مسألة تدخين الفتيات أمست تلقى "قبولا نسبيا داخل الأسرة"؛ إذ يرى أن بعض العادات والتقاليد عززت مثل هذه السلوكات "كانت جداتنا يخضن تجربة التدخين بشكل طبيعي، ولا يتعرضن لأي انتقاد، وهو ما أثر على المرأة في وقتنا الحالي، من خلال ما اكتسبته من حرية في المجتمع".
ويؤكد محادين "أن طبيعة التحولات التي يمر بها الشعب الأردني، نحو الحداثة والقيم الفردية، ووجود مؤسسات وسيطة في المجتمع؛ مثل المقاهي والكوفي شوبات، هي التي أسهمت في إظهار هذه الممارسة، وجعلها مقبولة اجتماعياً إلى حد ما".
وكانت منظمة الصحة العالمية أكدت في دراسات إحصائية حول أسباب الوفاة في المملكة، أن أمراض القلب والسرطان التي تُشكل ما نسبته 50 % من نسبة الوفيات، سببها التدخين. فيما بينت إحصاءات مستشفى الحسين للسرطان أن دراسة كان قد تم توزيعها على أربع مدارس للإناث بينت أن "13 % من الفتيات في الصف السادس يقمن بتدخين النرجيلة في المنزل وبمعرفة ذويهن".
وفي هذا السياق، يؤكد الاختصاصي التربوي، الدكتور محمد أبوالسعود، أن ظاهرة التدخين عند كلا الجنسين، وخصوصا الفتيات، تأتي بحسب طبيعة التنشئة الاجتماعية للأسرة، ولها علاقة بطبيعة الأفكار والمفاهيم السائدة في المجتمع الذي بات يحتضن المدخن، وقد تختلف المعتقدات من منطقة إلى أخرى، فما هو ممنوع في منطقة ما قد يكون مباحا في مكان آخر.
ويضيف أبوالسعود "أن زيادة مستوى التفكير في حقوق الإنسان، والحريات الشخصية في المجتمعات، وما اختلط بذلك من فهم خاطئ للحرية الشخصية، بالإضافة إلى عدم تركيز وسائل التربية والتعليم، والقوانين والأنظمة السائدة، على مكافحة التدخين، كلها أمور ساعدت كثيرا في انتشار ظاهرة التدخين".
واختلفت ميسون مع صديقتها رشا عندما تناقشتا حول مسألة تدخين الفتاة؛ إذ تقول ميسون إن الفتاة التي تدخن، في رأيها، هي فتاة تعاني من "نقص في شخصيتها"، وترى أيضا أن التدخين يمكن أن يكون أحيانا نوعا من "البريستيج" تلجأ إليه الفتاة لتُظهر لصديقاتها أنها "صاحبة قرار".
ومن الناحية الصحية، يرى اختصاصي الأمراض السارية والمعدية، الدكتور صالح العدوان، أن الدخان يؤثر على بشرة الفتاة أكثر مما يؤثر على بشرة الشاب، كونها بشرة حساسة. وكذلك الحال بالنسبة لتغير لون الأسنان واللسان والشفتين التي تعد "الواجهة الخارجية" التي تطل بها الفتاة على الناس وعلى المحيط، وبالتالي فإن ذلك يؤثر على إطلالتها وجمالها بشكلٍ عام، وتسرع في ظهور التجاعيد وعوامل الشيخوخة.
وبالإضافة إلى ذلك، يبين العدوان أنه "قد تصاحب التدخين حالة من السعال المتكرر، والالتهابات الكثيرة، وانبعاث الروائح الكريهة التي تؤثر على جمالية الأنثى". ويؤكد النتائج السلبية التي قد تؤثر في حياة المدخنة المتزوجة التي قد يولد إدمانها للتدخين نفورا من قبل زوجها، وهو الذي قد يكون متبادلا في حال كان الزوج مدخنا أيضاً.
ولا يقلل العدوان من خطورة تدخين الأم على صحة الأطفال، كونها الأقرب إليهم في حياتهم اليومية "فالأطفال شديدو التأثر بالتدخين".
ومن الطرق التي من الممكن أن تكون مساعدا للشباب والفتيات على الحد من ظاهرة التدخين، كما يقول أبوالسعود، أنه يجب تكاتف الجهود في هذا المجال من قِبل الأسرة والمجتمع المحيط، ومُشرعي القوانين، والمؤسسات التعليمية والجامعات، كأن يتم تخصيص أماكن خاصة للمدخنين في كل تجمع مؤسسي، أو طلابي، وأن يتم "منع المعلمين والمعلمات من التدخين أمام الطلاب؛ وخصوصا صغار السن، مع القيام بالإجراءات التي تسهم في التثقيف بمضار ومساوئ التدخين على الجنسين"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق