تغريد السعايدة
عمان- "أجواء جديدة وأشخاص مختلفو الطبائع لم أستطع في البداية التعامل معهم، ما دعاني إلى عرض فكرة ترك العمل على أهلي"، بهذه العبارة افتتحت نسرين حديثها عن بداية التحاقها بالعمل قبل عامين.
وتقول نسرين (27 عاما) "كنت أرجع إلى البيت أبكي لأن زميلاتي يعاملنني بطريقة غير ودية وكأنني عنصر غريب في القسم"، غير أن الأمر لم يطل على هذا المنوال؛ حيث تشير إلى أنها استطاعت مع الوقت أن تمد جسور المودة بينها وبين زميلاتها.
نسرين الآن سعيدة بتواجدها في العمل وسط زميلات ترى فيهن رديفا لعائلتها الحقيقية، وفق قولها، مؤكدة أن الموظف الجديد "عليه أن يتودد إلى زملائه ويتكيف معهم لتقوى أواصر المحبة بينهم".
ويواجه الموظف الجديد في بيئته نوعا من الغربة وعدم التأقلم؛ لاسيما في بداية عمله؛ إذ يرى مختصون أن على القدامى من الموظفين احتواء الزميل الجديد والتشارك والتعاون معه، كما عليه هو أيضا أن يتودد إلى الزملاء ويحاول التكيف مع بيئة العمل.
ورغم أن أم أنس، تعمل مدرّسة منذ سبع سنوات، إلا أنها ترى أن المعلمات الأقدم منها يشكلن "شلة"، و"لا يمكن التعامل معهن ببساطة، فهن ينتقدن كل عمل نقوم به بشكل دائم"، منوهة إلى أن إحدى زميلاتها الجديدات تركت العمل بعد أيام بسبب "عدم قدرتها على مجاراة أجواء العمل".
وتقترح أم أنس ضرورة عمل دورات تدريبية لكيفية تعامل الموظفين القدامى مع الموظف الجديد وطرق الدخول في علاقات ودية معه وإثبات شخصيته في أجواء العمل سواء من الناحية العملية أو العلاقات الشخصية؛ لأن ذلك ينعكس سلباً أو إيجاباً على مخرجات العمل.
ومن الناحية النفسية، يؤكد اختصاصي علم الاجتماع، الدكتور سري ناصر، أنه وبشكل عام، فإن أي شخص عندما يواجه وضعا جديدا بالفعل، فهو يشعر "بعدم الارتياح لعدم قدرته على التوقع من الآخرين لأنه شيء جديد"، وهذا سيقوده إلى الشعور بـ"القلق بشكل عام".
ويرى ناصر "أن الشعور بالغريب في المجموعة هو شعور طبيعي ينشأ عند كثير من الكائنات الحية حتى عند بعض أنواع الحيوانات التي بالفعل لا تتقبل الطرف الآخر بسهولة".
تالا محمد (32 عاما)، استطاعت من أول أيام تواجدها في العمل أن تخلق لنفسها جواً إبداعياً ساعدها على تخطي الكثير من المشاكل التي قد تواجه الموظف الجديد؛ حيث تقول: "انشغالي في كيفية إثبات وجودي ونشاطي في العمل لم يدع عندي الوقت الكافي للانتباه إلى وجهات النظر والآراء حولي رغم وجود بعض النظرات التي كانت تتسم ببعض الغيرة وعدم القبول لي كوني تخطيت بعضهم في الكفاءة خلال فترة قليلة".
وتقدم بعض المواقع الإلكترونية خدمات للموظفين الجدد تحدد لهم أبرز ما يمكن أن يقوموا به من أجل تقديم صورة جميلة عن الموظف ونظرته لزملائه الجدد، والذين في المحصلة سيقضي معهم معظم ساعات النهار، ما يستدعي وجود أجواء ترحيبية من قِبل القدامى للجديد، لأنه من الممكن أنه سيتأثر بثقافة المجموع، ولكنه قد يؤثر في تلك الثقافة سواء بالسلب أو بالإيجاب.
خبيرة مهارات الاتصال زين غنما، ترى أن الخطوات التي يتم فيها تجاوز المرحلة المؤقتة بين الموظف الجديد والموظفين القدامى "مشتركة بينهم ويجب أن يتوفر عند كل طرف انفتاح وتقدم للأمام بإيجابية بين الطرفين".
وتدعو غنما الموظف الجديد إلى "أن يكون لديه الكثير من الثقة بالنفس في تعامله وعمله بدون أن تكون هذه الثقة مبالغا فيها"، موضحة أن عليه أن تكون لديه "قدرة على الانفتاح وتقبل الآخر"، بحيث تكون لديه القابلية على "الأخذ والعطاء باحترام" مع زملائه؛ لأن المدة التي يقضيها الموظف مع المجموعة طويلة ولا يمكن أن تكون هناك أجواء ودية بدون مجاملات على صعيد العمل؛ حيث تصبح هناك علاقات مهنية شخصية يؤطرها الفرد نفسه.
ومن نصائح غنما في المهارات التي يجب على الموظف الجديد مراعاتها "فن الإصغاء"، التي تضمن له أن يستمع للآخرين ويستفيد من خبراتهم العملية والاجتماعية في أجواء العمل ووجود التفاعل مع الآخر وإظهار الاهتمام بما يتحدث، كما يتوجب، وفق غنما، أن يتوفر لديه "حُسن النية" في تصرفات زملائه وأن لا يأخذ الموقف الموجه له بـ"شكل شخصي وأن يتعامل معه من منطلق مركزه المهني".
أما فيما يتعلق بالطرف الآخر؛ وهم الموظفون القدامى، فترى غنما أنه يجب عليهم أن يكون لديهم "الكرم والتشارك في المعلومات مع الزميل الجديد وإظهار الترحيب فيه وتوضيح أسس العمل المعتمدة حتى قبل أن يتوجه هو بالسؤال لديهم وعرض المعلومات والمبادرة بالعطاء والتوضيح".
ويتفق ناصر مع غنما في أنه يتوجب على الموظف الجديد أن يعمل على "البحث عن نقاط التواصل والقواسم المشتركة بينه وبين زملائه الجدد ويطرح وجهة نظره فيها بشكل إيجابي وألا يظهر أي نوع من المعاداة أو فرض الأفكار في التحاور".
ويضيف ناصر أن الموظف الجديد عندما يدخل إلى عالم الوظيفة الجديد، فإن ذلك "يتطلب منه وقتاً ليس بالقصير من أجل الاندماج والتأقلم مع الآخرين معتمداً على توقعاته حولهم"، وبالتالي عليه أن يجتهد في الاندماج والتعارف وتوجيه الأسئلة التي يشعر أنه بحاجة لإجاباتها بدون تردد وخجل.
وحول تأثير الوضع النفسي والاجتماعي للموظف الجديد على أدائه في العمل، يرى ناصر أن العطاء والإنجاز في هذه الحالة يتوقف على "شخصية الموظف نفسه وقدرته على العمل"؛ حيث إنه في حال كانت المهمات صعبة، يمسي الشعور بالقلق والخوف من الفشل هو المسيطر عليه ولا يستطيع أداء مهمته بنجاح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق