مدني قصري
عمان- منذ زمن طويل والأسبرين بالنسبة للكثير من الناس هو الدواء الشافي؛ لأنه يحارب على نحو فعال الألم والحمى، وله أيضا تأثير وقائي ضد أمراض القلب والشرايين، حسب الجرعة المعطاة وفق استشارة الطبيب. فضلا عن أن هذا العقار ليس قادرا بجرعاته المتوسطة على الوقاية من عدد كبير من السرطانات فحسب بل أيضا على إبطاء تطورها وإبطاء خطر نمو الانبثاثات (أي انتقال وتغير مركز المرض). إنه دواء لكل داء، ولكن مع استعمال معتدل، تجنبا للآثار الجانبية المحتملة.
والسؤال المطروح: هل علينا أن نأخذ كل يوم بعض الأسبرين للتقليل من خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان ومضاعفاتها؟ هذا ما توحي به ثلاث دراسات علمية جديدة نشرت في مجلة "لانسيت إيكولوجي Lancet Oncology".
منذ سنوات عديدة والتأثير المحتمل للأسبرين على السرطان يثير جدلا واسعا: الأسبرين: سلاح إعجازي في وجه سرطان الثدي. هذه الدراسات الثلاث تثير آمالا مشروعة، لكن يجب تأكيدها.
فالأسبرين، قد يكتسب خاصية جديدة في المستقبل القريب! استهلاكه المنتظم يقلل من مخاطر سرطان الثدي كما سبق ذكره. لكن الأمر يحتاج إلى أبحاث أوسع قبل أن يوصي الأطباء بتناوله بشكل يومي، لتفادي هذه الآفة التي تقلق النساء كثيرا. إن إيقاف، أو الحد من التطورات السرطانية قبل أن تصبح مرئية ذلك هو مبدأ الوقاية الكيمائية. ففي مواجهة سرطان الثدي قد يصبح الأسبرين سلاحا فريدا!
لقد قام الدكتور بيار روتويل وزملاؤه في جامعة أوكسفورد، بفحص الدراسات الدقيقة وعددها 51 دراسة تم إجراؤها على مرضى يتناولون الأسبرين بجرعات مختلفة، وآخرين لا يتناولون الأسبرين ولا غيرها من الأدوية. لم تكن هذه التجارب السريرية مخصصة للوقاية من الإصابة بالسرطان، ولكن لتقييم الفوائد المحتملة على أمراض القلب والأوعية الدموية، من خلال جرعات يومية لهذا الدواء الذي صار عمره اليوم أكثر من مائة وعشرين عاما.
وكانت النتيجة أنه في 32 تجربة شملت 69000 مريض لاحظ الباحثون انخفاضا بنسبة 15 % في كل حالة سرطان لدى المرضى الذين يتناولون الأسبرين. ناهيك عن أن هذا الانخفاض أضحى أهم من ذلك بكثير في بعض السرطانات، كسرطان القولون والمستقيم، وسرطان الغدد الليمفاوية.
لقد تم التوصل إلى التأثير الأمثل للدواء بعد خمس سنوات من تناول الأسبرين، بتسجيل انخفاض بنسبة 37 % من الوفيات، وفقا لهذه الدراسة غير المباشرة للوفيات. وقد أظهرت هذه الدراسات أيضا انخفاضا في معدل الوفيات الناجمة عن النزيف المكثف، ولم تشر إلى حالات وفاة بسبب السكتة الدماغية.
وقام العلماء الإنجليز نفسهم بفحص 5 مجموعات من المرضى بمجموع 17285 مشاركا. وقد خضع هؤلاء للمتابعة على مدى ست سنوات للتحقق مبدئيا إن كان تأثير الجرعة اليومية من الأسبرين (75 ملغ/ يوم) يؤثر على المتاعب المتعلقة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
ولقد بين التحليل انخفاضا بنسبة 36 % في الانبثاث السرطاني لدى المرضى الذين يتناولون الأسبرين، وهو ما قد يفسر انخفاض معدل الوفيات، كما لاحظ القائمون على هذه الاختبارات. هذا ويعد هذا الانخفاض أكثر أهمية في حالات السرطانات الناتجة عن غدة من الغدد، كالغدة الدرقية، أو الثدي، أو أنسجة غدية، كالرئتين، أو المعدة، أو القولون، إلخ. كما بينت الدراسة أن المرضى الذين واصلوا تناول الأسبرين بعد التجارب السريرية التي أجريت صارت مخاطر إصابتهم بالأورام السرطانية المختلفة منخفضة أكثر فأكثر. ناهيك عن أن تراجع الخطر بالنسبة للمدخنين كان تراجعا ملحوظا للغاية.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا التأثير الواقي موجود بالفعل حتى لو جاء استعمال الأسبرين بعد ظهور مرض السرطان، مع انخفاض محسوس في مخاطر التعرض للانبثاث، لاسيما في حالة الإصابة بسرطان القولون.
وأظهر أول تحليل في الدراسات الـ 51 أيضا أن الرجال والنساء الذين يتناولن الأسبرين بجرعات منخفضة (أقل من 300 ملغ يوميا) لمدة 3 سنوات كانت احتمالات إصابتهم بالسرطان أقل بنسبة 25 %.
وحسب التحليل الثالث الذي أجري ضمن الفريق نفسه، والذي نشرته مجلة "لانسيت إيكولوجي" سالفة الذكر فإن التناول المنتظم للأسبرين لمدة 20 عاما صاحبه انخفاض في مخاطر الإصابة بسرطان القولون بنسبة 38 % (مقارنة 17 دراسة). وقد لوحظ أيضا انخفاض كبيرة في خطر الإصابة بسرطان المريء والمعدة، والمرارة، وسرطان الثدي.
تُرى، من أين تأتي هذه التأثيرات الواقية؟ هذه التأثيرات المفيدة يمكن تفسيرها بالتأثير المباشر للأسبرين التي تقوم بالتقليل من "البروستاجلاندين الحيوي"، والوسائط البيولوجية التي نجدها في الأعضاء كافة . ويمكن تفسير هذه الآثار المفيدة بالعمل المباشر الذي تقوم به الأسبرين، مما يقلل من "البروستاجلاندين الحيوي"، والوسائط البيولوجية المتعددة. فهذا من شأنه أن يقلل من الالتهابات المرتبطة بتطور مرض السرطان، وبالتالي التقليل من انتشاره. لكن ما تزال الآلية الدقيقة غير معروفة (فهذا المسار قائم منذ فترة طويلة، ومن الممكن أن يكون لتأثير الأسبرين على تجلط الدم دور مهم أيضا).
فالدراسات الرئيسية هذه تؤكد إذن على أن تناول الأسبرين بانتظام قد يقلل من خطر الإصابة بالسرطان والانبثاث، وخاصة فيما يتعلق بسرطان القولون والمستقيم، ولا سيما إذا أُخذت الأسبرين لفترات طويلة وبجرعات عالية.
ولذلك، ووفقا لهؤلاء الباحثين، فإن أهمية نسب الانخفاض التي تمت ملاحظتها بالفعل ينبغي أن تحث الاختصاصيين المعنيين بقضايا الصحة والوقاية، على إدراج الأسبرين في عملية الوقاية الصحية كلما كان هناك خطر الإصابة بسرطان القولون على الخصوص.
وذلك بالتأكيد أملٌ لا بد من تأكيده. إن هذه الدراسات تثير أملا في الوقاية، وفي علاج العديد من أنواع السرطانات، فهي تتطلب تأكيدا وتقييما أكثر دقة في مسألة قدرة الناس على تحمّل الأسبرين بشكل دائم، قبل الشروع في استعمالها. هذا وسوف تنكب الدراسات أيضا على البحث على المستوى الجزئيي لهذا الدواء، وهو ما قد يفضي إلى استنباط طرق علاجية أخرى لا تحمل أي خطر من المخاطر الجانبية المحتملة في بعض الحالات، وهي المخاطر التي لا يستهان بها بالتأكيد.
لا شك أن الوقاية الكيماوية لسرطان الثدي بواسطة الأسبرين لدى النساء بعد انقطاع الطمث تبدو اليوم جد مغرية، بحكم سهولة عملها ومزاياها العديدة، وخصوصا في أمراض القلب والأوعية الدموية. فمن وجهة نظر منهجية تستند هذه الدراسات أساسا إلى ذكريات المشاركين في الدراسات فيما يتعلق بوتيرة تناولهم للأسبرين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق