الأحد، 22 يناير 2012

"نظرية المؤامرة" : أشخاص شكاكون لا يثقون بمن حولهم

عمون - ترقب دائم لا يتوقف.. عيونه تلاحق كل من حوله.. وشعور مرعب يصاحبه من شيء ما قادم أو مكيدة تدبر له. أما ملامح وجهه فيغلب عليها الخوف وإحساس عدم الثقة بالمحيطين به.

إنه حال شخص دائم الشعور بـ "نظرية المؤامرة" وأنها تحاك له من قبل جميع من حوله، وكأن لسان حاله يقول "إنهم يريدون لي مصيبة ومكيدة ما، ستوقع بي حتما" أو "إنهم يتحدثون عني وينتقدون تصرفاتي، وبالتأكيد يكنّون الشر لي".

ومحمد علي، وهو اسمه غير الصريح، يدرك تماماً أنه يعاني من كل ما سبق بشخصيته التي حاول مراراً وتكراراً تغييرها لكن من دون فائدة.
ولعل أكثر ما يشغل باله هو رؤيته لاثنين من زملائه يتحدثان بطريقة معينة، وينظران إليه، أو عند التزامهما الصمت عند مروره من جانبهما، الأمر الذي يؤكد له وجود مؤامرة ما قد توقع به.

ذلك كان له أثر كبير في مراقبته للمحيطين وتتبعه لهم، لدرجة أنه وفي بعض الأحيان يكون متعبا، وبحاجة إلى أخذ إجازة، إلا أنه لا يستطيع، خوفا من أن يدبر له شيء في غيابه.

يقول "أعلم أنني أكون مخطئا أحيانا، وأظلم أشخاصا كثيرين، ولكنني غير قادر على السيطرة على الأمر، فأول تفكير يجول في ذهني مباشرة، مؤامرة تحاك لي".

هذا النمط من الشخصية، يصاب بحالة من الارتياب، أو ما يسمى اضطرابات "البرانويد"، أو "الشخصية البرانووية"، وهم أشخاص يمتلكون مثل هذا النمط من التفكير، هم شكاكون، ولا يثقون بأحد من حولهم، ولديهم اعتقاد أن الآخرين يحتالون عليهم، ويكنون لهم الأذى بغض النظر عن نوايا الطرف المقابل، ويبحثون دائما عن أي معنى عدواني أو سلبي في كلام الناس"، وفق ما يفسره الاختصاصي النفسي د.أحمد الشيخ.

وهذا النمط من الشخصية يصعب التعامل معه، وفق الشيخ، فوجوده وتعامله مع الآخرين، مشكلة كونه دائماً يعتقد بوجود مؤامرة، والنتيجة تكون بتجنب الآخرين التعامل معه كونه مزعجا وبحاجة إلى حذر كبير في التعامل.

ويعزو الشيخ أسباب وجود مثل هذه الشخصية، لظروف حياتية وبيئية، وما مرت به من اضطرابات في البيئة التي تعيش بها، سواء سياسية أو أسرية، أو اجتماعية.

ولا يختلف حال سهام سعود، كثيراً عن مثل هذه الأوصاف، فهي دائمة التشكيك بصديقاتها، وبأنهن يقمن بعمل أشياء بدون علمها، فهي على قناعة بصحة رأيها ما يجعلها ترسم سيناريوهات خاصة بها، وفي بعض المواقف تبتعد عن صديقاتها، بناء على معتقدات في رأسها، وبأنهن يتحدثن باستمرار عنها، ويقمن بانتقادها.

أما الثلاثينية عبير محمد، فباتت تقلل من صداقاتها رغم حبها للتقارب معهن، والسبب في ذلك هو أنها دائمة الشك بباقي الفتيات، لأنهن يتعمدن الذهاب من دون إخبارها أو أنهن يتعمدن الاتصال بالأخريات، فيما هي تكون خارج هذا الإطار.

وتصل القناعة لديها أن العلاقة بين الصديقات دائما عدائية وغير حقيقية، وأنها في أحيان كثيرة تحضر إلى إحدى جلساتهم، موجهة الكلام إليهم وبطريقة ساخرة "أكيد كنتوا تحكوا عني"، لكن الرد يأتي من الصديقات، "لو كنا نحيك لك المؤامرات أو غير راغبين بك معنا لما كنت معنا في الشلة ولكنا تهربنا منك، لكن التعامل معك أصبح صعبا بسبب الهواجس السلبية التي تسيطر عليك".

وبحكم التربية، وتدني منسوب الثقة بالنفس وضعف الخبرات والمهارات، التي يفترض أن تكتسب من الأسرة، فإن هذه الشخصيات تشعر بأن الآخرين مهمومون دائماً بهم، ومناكفاتهم أو التقليل من مكانتهم أو حتى حضورهم الاجتماعي وتكون الذات لديهم متضخمة، وفق أستاذ علم الاجتماع د. حسين محادين.
ويؤكد محادين أن هؤلاء الأشخاص يعانون من علاقات اجتماعية غير سوية، تدفعهم إلى الشك بأن الآخرين يتآمرون عليهم، أو حتى ينهشون أجسادهم وأفكارهم، خصوصاً "أننا في مجتمع نعطي فيه للآخر المساحة الأكبر من تفكيرنا، وعملنا بحكم أنماط التنشئة الاجتماعية، التي تنتشر بها في بعض المؤسسات".
ولا يستغرب وجود هذه النماذج، التي تستنفد من طاقتها للتفكير بالآخرين، في الوقت الذي يفترض فيه التأكيد على أن "لكل منا خصوصيته وثقافته، وبالتالي أحقيته أن يمارس ما يراه مناسباً له على العموم" وفق ما يقول.
اختصاصي العلاقات الأسرية أحمد عبدالله يرى أن الشخص الذي يملك مثل هذه الصفات يعاني من قضيتين مهمتين، الأولى التنشئة الأسرية الحادة جداً، التي تجعل الشخص مراقبا لكل ما يحدث مِن حوله، والثانية أن الأمر له علاقة بنمط الشخصية التي تعتقد أن أي شيء يحدث من حولها يكون عنها.
أما بالنسبة للمرأة، فيرى عبدالله أن الموضوع يختلف أحياناً، لأنها تقيم ذاتها من خلالها والآخرين وهذه طبيعة أنثوية عند المرأة، إلا أن تحويل المسألة من تقييم طبيعي إلى هاجس ومؤامرات، فإنه مرحلة تنذر بالخطر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com