الأربعاء، 16 يناير 2013

خشب بلوط.خيش.ذهب.فضة.جلد.حديد: كلها يمكن أن تكون الكراسي !

صورة

نضال حمارنة - كانت الحجارة الكبيرة والصخور بمثابة كراسي الاستراحة للبشر عبر الحقول ودروب البراري ؛ لكونها أكثر ملاسة وأقل رطوبة من التراب ، كما اختار سكان الغابات جذوع الأشجار الضخمة للجلوس عليها أثناء سمرهم أو احتفالاتهم الجماعية .
إلاّ أن بيوت الجميع ظلت بلا كراسٍ ولم يحفل الناس بحاجتهم للكرسي بقدر حاجتهم (للمدّة ) المصنوعة من جذوع النخيل أو من بعض النباتات كالقنّب والقصب والخيزران . لذا اخترع الإنسان الطاولة بداية لإحتياجه لها ؛ ليحفظ مأكله ومشربه بعيداً عن التراب أو الحشرات ، فظهر ما تسميه العامّة إلى اليوم « الطبلية « الطاولة المنخفضة ، الدائرية كجذع الشجرة .



 الكرسي الأول 

ارتبط ظهور الكرسي مع نشوء الزعيم الروحي / الديني ، أو الحاكم أو السلطان . أي لسبب اجتماعي معنوي هدفه رفع مقام الشخص الجالس عليه ، وتمييزه عن باقي البشر كنوع من التقديس والتبجيل لذلك أطلق اسم (العرش) على الكرسي في البداية وكان الرجل الأقوى في الممالك القديمة ؛ الحاكم « فرعون مصر أو ملك بابل أو امبراطور الصين هو فقط من يجلس على الكرسي . 
صنع كرسي عرش فرعون من خشب الأبنوس وطُعِّم بالعاج أو بمنحوتة من خشب مذهب ، مع مسند للقدمين . وقد سمح كبير الكهان لرب العائلة المصرية ؛ أكبر الرجال سناً بامتلاك كرسي والجلوس عليه بمنزله . أما في نينوى مكان كرسي الملك بدون ظهر مع ساقين عريضتين منحوتتين بذوق رفيع تنتهي على شكل مخالب أسود أو رؤوس ثيران . أما في الصين واليابان وكوريا وثقافات التاي فقد كان الكرسي شكلاً من أشكال الأثاث للرهبنة البوذية ، استخدمه الرهبان في البداية إلى أن أصبح للأمبراطور كرسيه الخاص به ، وظلت الصين واليابان تستخدم الكرسي البسيط الذي بلا ظهر أو تكلّف . وعرف الإغريق في عصر / البارثينون / الإله زيوس فصنعوا كرسياً مرتبطاً باسمه ؛ عبارة عن مقعد مربع ذي ساقين سميكتين مزينة بمجنح لأبي الهول . أما الكرسي الروماني الخاص بالقياصرة فنُحِت من الرخام الخالص وزُيّنَ أيضاً برأس أبي الهول . 
وقد أطلقت صفات عديدة على كراسي عروش الحكام في العالم منها عرش التنين لإمبراطور الصين ، وعرش الأقحوان لإمبراطور اليابان ، وعرش العنقاء لملوك كوريا ، وعرش الأسد للدالاي لاما في التيبت ، وعرش المهراجا في الهند ، أما عند العرب فكان معاوية أبي سفيان أول من استخدم كرسياً أثناء ولايته على دمشق في عهد عمر بن الخطاب ، وعندما أصبح أميرأً للمؤمنين أطلِقَ على كرسيه « سرير المُلك « وكان مربع الجوانب تستره الوسائد المُطرزة .
كذلك أطلق على الكرسي الخاص بملك إيران علي شاه قاجار عرش المرمر ؛ فقد صُنع من 65 حجر مرمر ، وعمره أكثر من 250 عاما .

 كراسي القرون الوسطى
ظلت الكراسي حكراً على الحكام والنبلاء ورجال الدين الكرادلة ؛ أي اصحاب المراتب الرفيعة في الكنيسة ، وفيما بعد سُمح لبعض كبار رجال الدولة باستخدام الكرسي بخاصة الأكثر ولاءً للحاكم . يبدو أن الكرسي كان مكسباً مادياً ووجاهياً عظيماً ، حكراً على أعلى طبقة في المجتمع والتي تمثل الحاكم الأوتوقراطي شديد الاستبداد الذي لايقبل رأيَّاً أونصيحة أو مشورة ، والذي يمنح الكراسي لأكثر الناس تبعية وإخلاصاً لسياساته ومصالحه بكل تشعباتها . كانت كراسي القرون الوسطى في أوروبا مصبوبة من البرونز ومُذهبة جزئياً ، كما ظهر الكرسي الأميري وكان أكثر شيوعاً في فرنسا وهولندا ؛ كان الكرسي بذراع واحد في البداية ثم أضيف له الذراع الثاني ، كما صُنعت بعض الكراسي من الجلد لخفتها وإمكانية طيها وعند الجلوس تُدَعّم على ساقين تنتهي بأقدام على شكل رؤوس الحيوانات ؛ تلك كانت حكراً على الأساقفة . مع بداية عصر النهضة أصبح بإمكان عامة أفراد الشعب استخدام الكراسي .. فعصر النهضة في أوروبا أتى بالأفكار الجديدة ، معتمداً على الاكتشافات العلمية كحل لمشاكل البشرية اليومية ، كالمرض والسكن اللائق الآدمي ، بالإضافة لبروز الفلسفة العقلانية مما أدى لتطور العلوم ، خاصة الطب والهندسة وأيضاً الفنون فظهرت أجمل المدارس التشكيلية في العالم ، وظهر عباقرة من الصعب تكرارهم كليوناردو دافنتشي ومايكل أنجلو ورفايل . وفي المسرح وليم شكسبير .
إن مبدأ العقلانية كان مفتتحاً لظهور المدارس الفلسفية الأحدث التي تهتم بالإنسان .. بحرية الإنسان وحقه في حياة كريمة يتساوى فيها الجميع . 
في عصر النهضة وحتى منتصف القرن السابع عشر كانت الكراسي صلبة وذات وزن كبير استخدم خشب البلوط في صناعتها وأحياناً الجلد وفي وقت لاحق أضيف لها المُخمل أو الحرير ، كما ظهرت في بريطانيا الكراسي المنخفضة . وفي زمن لويس الثالث عشر في فرنسا ظهرت الكراسي الخفيفة المصنوعة من القصب . وفي عهد لويس الرابع عشر ظهر كرسي الروكوكو ؛ عبارة عن كرسي له إطار فوق التنجيد يسمح باستبدال القماش حسب الفصول شتاءً أو صيفاً ... كما يمكن أن يضاف بدل القماش القش المُفرّغ لإدخال التهوية . كما ظهرت كراسٍ عديدة سُمّيت بحسب عصر الحاكم وأشهرها كرسي لويس السادس عشر الذي ما زال مطلوباً إلى اليوم في بعض البيوتات الأرستقراطية .

كراسي عامة الناس 
في القرن التاسع عشر انتجت لأول مرة كراسي بسيطة للمدارس وقد سُمّيت آنذاك « كرسي مايكل « كما ابتكر في نفس الفترة كرسي « بيند وود» أي كرسي الحانة, والنوعان ما زالا يستخدمان إلى يومنا هذا .
تنوعت الكراسي في العصر الذي نعيش فيه ولم يعد يوجد بيت أو مكان عمل
لايوجد فيه كرسي ، حتى أن بعض الكراسي بإمكانها أن تهمس ؛ لو استطاعت حواديت عن عشاق تلاقوا على مقاعد السينما أو المسرح أو على كرسي خشبي في حديقة ، وكم من أفراد قضوا أياماً في قطار مسافر عبر بلاد بعيدة متواجهين لايفصل كرسي الواحد عن الآخر سوى متر واحد .
 وكما حلَّ الكرسي المتحرك للمرضى ذوي الحاجات الخاصة من مشكلات وسهَّل لهم سبل الحياة . الكراسي تنوعت حسب متطلبات العمل ورفاهية الحياة فمن كرسي الكومبيوتر إلى كرسي السيارة الخاص بالرضع . 
وأكثر الكراسي استهدافاً لأصحاب الروح المرحة كرسي الحلاق الذي تدور حول جانبيه قصص الحي وزبائنه والأخبار المنقولة من هنا وهناك لكأن الداخل إلى صالون الحلاقة كالجالس في مجلس الحي أو المختار . 
أما كرسي المريض لدى طبيب الأسنان يبدو أنه أريح الكراسي ، لكنّ الجالس عليه يعاني من وطأة الجزع وعدم التعبير حتى عن آلامه ، وهو يستمع للآلات ذوات الصوت الحاد ، يسأل بين غرغرة وأخرى : « لسه مطوّل ..!» .
 أما أكثر النوادر المرتبطة بالكرسي مجازاً فهي النكات التي تطال حكام جمهوريات العالم الثالث ، وقد أطلق وصف كرسي التيفال عليه ، وقد روي ؛ عن أحد الفكاهيين : أن ثوار ليبيا عندما دخلوا باب العزيزية لم يجدوا الكرسي الذي كان القذافي يجلس عليه من عام 1969 لأن ابنه الكبير أخذه معه قبل أن يهرب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com