الاثنين، 14 يناير 2013

نقص الحديد: عدو لدود للأطفال


عمان- هل يحصل طفلك على كمية كافية من الحديد في غذائه؟ ما الأسباب المؤدية لنقص الحديد؟ كيف تستطيع تمييز وجود نقص لدى طفلك؟ وما طرق الوقاية منه والعلاج؟.
يعد الحديد أحد العناصر الضرورية لنمو الطفل وتطوره؛ إذ يدخل في تركيب بروتين الهيموغلوبين الموجود في كريات الدم الحمراء، الذي بدوره يساعد على نقل الأكسجين من الرئتين إلى بقية أعضاء الجسم، كما يساعد العضلات على تخزين الأكسجين واستخدامه، وبالتالي فإنه يزود طفلك بالطاقة اللازمة للركض واللعب والتركيز والتعلم.
وبينما يواصل جسم الطفل نموه بإيقاع سريع جداً، تبرز حاجته لكمية إضافية من الحديد ضرورية في مثل هذا الوقت لإنتاج المزيد من الكريات الحمراء لتواكب نموه. وتشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين يعانون من نقص الحديد يقل لديهم معدل النمو والقدرة على التعلم، كما أن مقياس حاصل الذكاء (IQ test) لديهم يكون أقل من أقرانهم.
ما كمية الحديد اللازمة لطفلك؟
تحتوي أجسام الأطفال حديثي الولادة على مخزون محدد من الحديد (250 ملغم) والذي يحصلون عليه من أمهاتهم، إلا أنهم بحاجة إلى كمية إضافية لمساعدة أجسادهم على النمو والتطور. في الشهور الستة الأولى من حياة طفلك، يحصل على الحديد بكميات كافيه من الرضاعة الطبيعية. إلا أن جسمه بعد ذلك يبدأ باستهلاك مخزونه من الحديد؛ فالرضاعة الطبيعية تصبح غير فعالة في إعطائه كمية كافية من الحديد، مما يستدعي إيجاد مصدر آخر كالغذاء والبدائل المدعمة بالحديد.
توصي الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال بكمية محددة من الحديد تعتمد على عمر الطفل كالآتي:
- الرضع الأصحاء: في الشهر الرابع من عمرهم، ينصح بإعطائهم الحديد عن طريق الفم بمقدار 1 ملغم لكل كغم من وزنهم إلى أن يتم إدخال الأطعمة التكميلية الغنية بالحديد كالحبوب المدعمة بالحديد (سيريلاك).
- في عمر (6-12 شهرا): يحتاج الطفل إلى 11 ملغم من الحديد يومياً، ويتوجب على الأم البدء بإطعام الطفل الأغذية المكملة والغنية بالحديد مثل؛ اللحوم الحمراء والخضراوات، وفي حال لم تتم تلبية احتياجات الطفل منه نلجأ إلى استخدام مقويات الحديد السائلة.
- في عمر (1-3 سنوات): يحتاج الطفل إلى 7 ملغم يومياً، يفضل الحصول عليها من الأغذية الغنية بالحديد والفواكه الغنية بفيتامين ج، الذي يساعد على امتصاص الحديد، وفي حال عدم كفايته نلجأ إلى مقويات الحديد السائلة والفيتامينات القابلة للمضغ.
ومن الجدير بالذكر أن الأمعاء تمتص 10 % فقط من الحديد الموجود في الغذاء، بينما يتم امتصاص الحديد بفعالية أكثر (2-3 مرات) من حليب الأم، لذلك فإن حاجة الأطفال ذوي الإرضاع الطبيعي من الحديد أقل من أولئك الذين يعتمدون على الحليب الصناعي.
ما مفهوم نقص الحديد وفقر الدم بعوز الحديد؟
يعد نقص الحديد أحد أهم الأسباب لحدوث فقر الدم لدى الأطفال، ويتراوح مفهوم نقص الحديد بين: وجود نقص في كمية الحديد في الدم أو في مخزونه المتواجد بالجسم عن الحد الطبيعي للفئة العمرية المماثلة لعمر طفلك بدون وجود اضطرابات وظيفية أو صحية لدى الأطفال، أو قد يكون مصاحباً لفقر الدم نقصان في عدد خلايا الدم الحمراء نتيجة نقص الحديد، وهذا بدوره يؤثر على العديد من الوظائف الحيوية للجسم.
أسباب نقص الحديد
يعزى نقص الحديد لدى الأطفال إلى أحد الأسباب الآتية:
1 - نمط الغذاء: يعد تناول الطفل غذاء فقيرا بالحديد أهم الأسباب لحدوث النقص، فعلى سبيل المثال؛ الأطفال الذين يتناولون الحليب البقري بكثرة في السنة الأولى من عمرهم (أكثر من 3 أكواب يومياً) هم أكثر عرضة للإصابة بنقص الحديد؛ إذ إن الحليب البقري يحتوي على كمية كبيرة من الكالسيوم الذي بدوره يقلل من امتصاص الحديد، كما أن تناول الحليب بكثرة يعد سبباً لفقدان طفلك شهيته، فهو يعطيه شعورا بالشبع.
2 - سوء امتصاص الحديد رغم تناول كمية كافية منه، وهذا سبب غير شائع في حال عدم وجود مرض في الأمعاء الدقيقة، أو جراحة سابقة في الجهاز الهضمي.
3 - فقدان الدم من القناة الهضمية بشكل بطيء ولفترة طويلة، وتشير الدراسات إلى أن حليب الأبقار قد يؤدي إلى فقدان الأمعاء الدقيقة كميات قليلة من الدم، قد تكون غير ملحوظة بالنسبة للأم، إلا أنها تفاقم من نقص الحديد في الجسم.
4 - زيادة حاجة الجسم للحديد في طور النمو لدى الأطفال.
الأعراض: نقص الحديد في الجسم يؤدي إلى الإخلال بالكثير من الأنشطة الحيوية لطفلك؛ إذ يواجه الأطفال الذين يعانون من فقر الدم المصاحب لنقص الحديد بعض التأخر في التطور العقلاني والاجتماعي، ويقل لديهم مستوى النشاط، كما أن وظائف جهاز المناعة تقل لديهم مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، ولديهم صعوبة في زيادة وزنهم بما يتلاءم مع فئتهم العمرية.
أعراض نقص الحديد قد لا تظهر لدى الطفل إلا عند حدوث فقر الدم، وكلما زادت حدة فقر الدم زادت احتمالية ظهور الأعراض المصاحبة، والتي تشمل:
- الضعف العام وفقدان الشهية.
- شحوب الجلد والأغشية المخاطية.
- صعوبة الحفاظ على درجة حرارة الجسم.
- ضيق التنفس واضطراب ضربات القلب.
- (pica) وهي الرغبة الشديدة في تناول بعض المواد الغريبة كالثلج، والأوساخ، والنشا والطين. وهذا النمط الغذائي يجب أن يستمر لفترة لا تقل عن شهر واحد لتتناسب مع تشخيص pica.
عند ملاحظتك أحد الأعراض السابق ذكرها، تتوجب عليك مراجعة الطبيب للقيام بالفحوصات اللازمة، والتي تتمثل بشكل رئيسي في أخذ عينة دم للفحص العام، يظهر فيها نقصان تدريجي في كل من مستوى الهيموغلوبين وحجم كريات الدم الحمراء (MCV) عند وجود نقص في الحديد. وللتأكد من ذلك يتم فحص بروتين يدعى الفيريتين (Ferritin)؛ إذ يكشف مخزون الحديد في الجسم. وقد يلجأ الطبيب للقيام بفحص للبراز، للتأكد من عدم وجود نزف في الجهاز الهضمي، وقد يحتاج الأمر إلى تكرار الفحص عدة مرات، فقد تكون حالة النزف متكررة وليست ثابتة. وبالاعتماد على هذه النتائج، تصنف حدة النقص إلى ثلاث فئات: بسيط، متوسط أو شديد. وهذا يؤثر بشكل كبير في الخطة العلاجية المستخدمة.
العلاج
خير سبيل للعلاج هو الوقاية، ويمكنك وقاية طفلك باتباع ما يلي:
- إعطاؤه المكملات الغذائية المدعمة بالحديد حتى عمر 18 - 24 شهراً.
- الغذاء الصحي المتوازن هو أفضل طريقة للوقاية والعلاج، ونشير هنا إلى أن الحديد يتواجد في الغذاء في شكلين:
1 - الحديد الثنائي (heme iron): يتواجد في المنتجات الحيوانية (اللحوم الحمراء، اللحوم الخالية من الدهون، الدواجن، الأسماك وصفار البيض) وتعد مصدراً مهماً للحديد.
2 - الحديد الثلاثي (nonheme iron) يتواجد في الأغذية النباتية بكثرة، إلا أن الجسم لا يستطيع امتصاصه بشكل كبير كما في المنتجات الحيوانية، وبالتالي يمكنك زيادة امتصاصه من خلال تناول المنتجات الحيوانية مع بعض البقوليات والحبوب (الحمص، العدس، الفاصولياء البيضاء) أو تناول الخضراوات الغنية بالحديد (البروكلي، القرنبيط، الطماطم، السبانخ والبطاطا). كما أن الفواكه الغنية بفيتامين ج تعد أحد أهم الأسباب لزيادة امتصاص الحديد؛ فمثلا يمكنك إعطاء طفلك عصير البرتقال مع الوجبة الرئيسية بدلا من المواد الغنية بالكالسيوم (الحليب) أو التي تحتوي على المواد التنينية tannins (الشاي)، فكلاهما يقلل معدل الامتصاص، لذلك فمن الأفضل المباعدة بينها وبين الحديد لمدة تتراوح بين 2 و4 ساعات.
- لزيادة كمية الحديد في غذاء أطفالك: استخدمي لب الفاكهة في العصائر، كعصير الإجاص الغني بالحديد، وطهي البطاطا بدون نزع قشورها، طهي الأطعمة الحامضة كالطماطم في أوان حديدية قد يسبب زيادة محتوى الطعام من الحديد، وفقدان بعض الفيتامينات الأخرى. كما تعد زبدة الفول السوداني وفول الصويا والفواكه المجففة كالزبيب، مصادر غنية بالحديد.
- أما العلاج المتزامن مع الغذاء المتوازن، فيعتمد بشكل رئيسي على نسبة نقص الحديد. في الحالات البسيطة يبدأ الطفل بتناول شراب مقوي الحديد (iron supplements) عن طريق الفم لمدة لا تقل عن 3 أشهر، ثم نقوم بفحص مستوى الحديد مجددا للتأكد من نجاح العلاج؛ إذ قد يحتاج الطفل أحيانا إلى تكراره. يفضل تناول الشراب قبل الوجبات (معدة خالية) وقد يسبب ذلك شعورا بالغثيان، يمكن تقليله بأخذ الحديد مع الطعام كوضع الجرعة المحددة في عصير البرتقال، مما يجعل طعمه مستساغا وكذلك يزداد معدل الامتصاص. عند بعض الأطفال يصاحب تناول الحديد حدوث الإمساك، وتغيرا في لون البراز؛ إذ يصبح لونه أسود، وهذا شيء طبيعي لا يستوجب القلق، كما أنه قد يسبب تلونا في أسنان طفلك، يزول بعد انتهاء العلاج، لذلك عليك تنظيف أسنانه بالفرشاة أو باستخدام قطنة مبللة بعد كل جرعة.
- إذا كان تناوله عن طريق الفم غير مقبول لدى الطفل، أو كان الطفل يعاني من مشكلة في امتصاص الحديد نتيجة مرض معين في الأمعاء، أو في حالات فقر الدم الشديد، نلجأ إلى حقن الحديد بالعضل أو بالوريد.
ويبقى اهتمامك بغذاء طفلك سبباً في إيجاد عادات صحية، تعد من أهم وأبرز مقومات التربية الجسمية التي لا غنى عنها.


إعداد: د. أماني عادل عبد الغني/ دكتور صيدلة
إشراف: د. خولة نصير
قسم الصيدلة السريرية
كلية الصيدلة
جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
Amani.ghani@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com