الأحد، 4 نوفمبر 2012

الهالوين ..وجها للعولمة الأمريكية

صورة

سامح المحاريق  -  لم تكن احتفالات الهالوين معروفة قبل النصف الثاني من القرن السادس عشر، وهي ليست احتفالات دينية في جذروها، ولا يزعم أحد أن لها أي صبغة دينية،  وكل ما في الأمر أنها تتزامن مع «عيد جميع القديسين «حسب الكنيسة الغربية، حيث أن العيد في التقويم المسيحي الشرقي، يأتي في أول أيام الأحد التي تلي عيد الخمسين، بمعنى أنه لا يوجد موعد ثابت تحديدا له في كل سنة حسب الكنيسة الشرقية. 
الهالوين هو عيد يمتد في جذور الشعوب السلتية، وهي تحديدا الشعوب الأصلية في اسكتلندا وايرلندا وويلز، بجانب إقليم صغير في شمال شرق فرنسا، وبالمناسبة، ليست الشعوب العربية أو الهندية أو حتى الإفريقية هي الأكثر تأثرا بمسائل الأرواح والأشباح في تراثها، فالأسكتلنديون يحتلون المرتبة الأولى، وكثير من تراثهم الشفهي يتعلق حول الكائنات الخرافية والأرواح الشريرة، بطبيعة الحال لا يؤمنون بذلك حاليا، ولكنهم يعتزون بتقاليدهم القديمة، وأيضا، تشاركهم الشعوب الاسكندنافية في هذه المعقتدات إلى حد كبير، وكانت الظروف المناخية الشتوية تمثل بالنسبة للأسكتلنديين مصدرا أساسيا للمخاوف، فالطبيعة تبدي وجهها المظلم أمامهم، لذلك كان اليوم الأول في الشتاء لديهم، يعتبر اليوم الذي يضطرون لدخوله وهم محملين بالأمل ألا يفقدوا الكثير أمام نزوات الطبيعة المرعبة. 

 ارتباط الهالوين بالولايات المتحدة 
السلتيون كانوا الشعوب الأولى التي هاجرت إلى أمريكا الشمالية، فهم كانوا يمثلون الشعوب الفقيرة والمضطهدة قياسا بالشعب الأنجلو- ساكسوني الذي يسيطر على انجلترا، وكان يشيع بين السلتيين الجهل وتجتاحهم الأمراض بصورة دورية ، نظرا لعدم تمدنهم بصورة كافية مقارنة بالإنجليز، وكان توجههم إلى العالم الجديد بناء على مباركة من الإنجليز، الذين رأوا أنهم يتخلصون من مسؤولياتهم تجاه السلتيين، ولذلك ارتبط الهالوين بالولايات المتحدة، ونظرا لأن الكنيسة أخذت دورا تبشيريا في شمال أمريكا، ولم تكن تتدخل كثيرا في حياة المهاجرين، فإن ذلك تسبب في شيوع المعقتدات الشعبية وتخالطها بالأفكار الدينية، وأصبح الهالوين أحد الأعياد المهمة بالنسبة للأمريكيين. 

ما هو الهالوين ؟
يعتبر الهالوين عيدا شعبيا يحتفل» السلتيون» فيه بانطلاق الأرواح الشريرة(..) ، وهو يفسر أن يكون ذلك مرتبطا ببداية الشتاء.
 ويعمل الناس على التنكر في هذه المناسبة، كيلا تعرفهم الأرواح الشريرة وتستوطن جسدهم، العيد في العصور الحديثة لم يعد مقنعا سوى للأطفال لارتباطه بلعبة خدعة أو حلوى، حيث يجول الأطفال المتنكرون في ملابس الأشباح بين المنازل ليطلبوا من الجيران الحلوى، وهم يخيرونهم بين أن تلبسهم الأرواح الشريرة أو يمنحونهم الحلوى، وبطبيعة الحال، فإن الأطفال يفوزون بالحلوى في النهاية.

مناسبة عالمية 
ماكينة البزنس الأمريكية حولت الهالوين لمناسبة تجارية ضخمة تؤدي إلى ضخ المليارات من الدولارات من جيوب أرباب الأسر إلى أصحاب المصانع ، والفنادق ، والمولات التجارية ، وصانعي الأفلام السينمائية، وحملت العولمة الهالوين ليتحول من كرنفال محلي إلى مناسبة عالمية، وكانت المدارس الأمريكية أو المتأمركة تحتفل بهذه المناسبة مع طلبتها.
 ولم يكن الأهالي يرون غضاضة في أن يرتدي أبناؤهم الملابس التنكرية في هذه المناسبة التي تتم في داخل المدرسة، حتى أنهم كانوا يدفعون قيمة مساهمة الأطفال في الاحتفالات المدرسية، ولا يمكن إقناع طفل صغير، مهما تكن المبررات وجيهة وتتعلق بالهوية والذات، بالامتناع عن مشاركة زملائه في هذه المناسبات، وكان الأجدى أن يتم تدخل وزارات التربية والتعليم في الموضوع وأن تطرح القضية للمناقشة، ولكن أحدا لم يفعل. 
 الهالوين وعبادة الشيطان
و يختلف الهالوين عن عبادة الشيطان، ولا يلتقيان في أبسط الأمور، وحتى قضية عبادة الشيطان التي أثيرت في أحدى الدول العربية سابقا خلطت بين مجموعة من المراهقين العاشقين لموسيقى الميتال، وبعض من يحملون الأفكار التي تتحدث عن الشيطان والتحالف معه، ولا يمكن بالتالي أن تعتبر مجموعة من بضعة عشرات أو مئات من الشباب في عمان الذين تجمعوا للاحتفال بالهالوين من عبدة الشيطان، ولكنهم في النهاية مجموعة من الشباب الذين يرون العالم من منظور الحلم الأمريكي، ويعتبرونه   دليلا على التقدم والتفوق. 
لم تكن الحفلة تستدعي التداعيات التي حدثت أثناء مجرياتها، أو التغطيات الإعلامية التي تبعتها، وكان التلويح بعبادة الشيطان وسيلة غير مقبولة لاستقطاب القراء لبعض المنابر الإعلامية، والقضية أن في كل مجتمع طائفة من الشباب تعتبر نفسها طليعة للتأمرك باعتباره الوجه الوحيد للحداثة، وهو «التأمرك الشكلي « في المناسبات والملابس واستخدام المصطلحات الأمريكية، بمعنى أنه نمط حياة، ولكن هذه الطائفة أيضا بعيدة عن التأمرك بمعنى الانضباط والالتزام بالقانون، ففي الوقت الذين كانت الحفلة تتصاعد فيه، كان الأمريكيون يضربون مثلا في الإدارة العامة وقدرتها على مواجهة كارثة طبيعية كبرى. 

 التأمرك 
قبل مائة سنة كنا ننقاش الشرق والغرب، واليوم نناقش «التأمرك» ، وفي النهاية ليس الهالوين سوى احتفالية بريئة للأطفال والمراهقين، ولكنه يتحول إلى معركة اجتماعية، مع أن الأكثر أهمية، أن يتحول الأخذ بالجانب الإيجابي عن الأمريكيين في الإدارة والتنظيم وتحمل المسؤولية، ولكن هل تقوم المدارس الأمريكية التي نقلت الهالوين وغيره من العادات والمظاهر، بتعليم الطلبة الذين يدرسون فيها الجانب الإيجابي من الحياة الأمريكية، أشك في ذلك، وأتمنى أن أكون مخطئا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com