الخميس، 4 أكتوبر 2012

مخاطر التوحد النفسي .. بيتية بامتياز!

صورة

* ياسين الجيلاني

رغم تعقيدات الحياة العصرية وتداخلها ،ما زال التربويون والسيكولوجيون، يكرسون قدراً كبيراً من جهودهم العلمية، لاستقصاء العلاقة بين الأم وطفلها، وفي كيفية بناء شخصية البالغ، وتوجيه دوافعه وأفعاله مستقبلاً، وأن تلك العلاقة التي تقوم بين الأم والطفل، هي التي حدت بالبعض إلى القول، بأن أصل «الأسرة البشرية» هو هذا «المجتمع البيولوجي الصغير».

فالمرأة عندما تصل إلى مرحلة الوعي ،التي تؤهلها لإدراك خبرة الأمومة ووظيفتها، تتجاوز ميولها الذاتية، وتصبح أكثر تحرراً في شخصيتها، وهنا يكمن الفرق بين المرأة الواعية والمرأة الجاهلة. فالأم الواعية هي التي تحافظ على قدر معقول من التوافق والتوازن بينها وبين طفلها حتى لا يطغى جانب على آخر، فتضيع شخصيتها، مما يؤثر سلباً على زوجها وأطفالها بالمخاطر التي لا تحمد عقباها.

 

 رحمة الأم وعطفها

أما أهم المخاطر التي تواجه العلاقة بين الأم وطفلها، فهي التي تصيب ذات الطفل النفسية، ونخص بالذكر ما قد ينجم عن عجز الصغير واعتماده الكامل، اللذين يستثيران رحمة الأم وعطفها. ومن الأمور البادية في التناقض، أن هذا الاعتماد يشكل قوة الطفل الضعيف، إذ قد يدفعه إلى الاستبداد بأمه، وذلك باستعطافها الدائم. فالضعفاء لا يعرفون الرحمة! إذا لم تدربه الأم تدريجياً في الاعتماد على قدراته النامية لإرضاء حاجاته المتزايدة، وإذا أوغلت الأم في حمايته وتدليله، فإن هذه التنشئة الخاطئة، قد تؤدي من جهة إلى تكوين طفل لا حدود لمطالبه، يعتاد الأخذ دون العطاء، وتؤدى من جهة أخرى، إلى تكبيل الأم بطفلها وتشبسها باعتماده عليها، وهنا تنقلب الأوضاع، وتصبح الأم هي الجانب الضعيف، الذي يستحوذ على الطفل، ويحكم قبضته المتشنجة عليه، ولا تستطيع الأم أن تخلي سبيله، إذا كانت قد ضحت بشخصيتها من أجله، حتى أضحت تستغيث به، ليضفي معنى على حياتها، التي أمست فارغة بلا هدف!؟.

 

 ممارسة الرعاية المتواصلة

  هنا يرد  اكثر من سؤال  :

- أليس من حق الأم أن تتوقع من أطفالها حباً ومعروفاً، نظير حبها وعطفها وصنيعها في إنجابهم ورعايتهم؟.

 إذا أدركت الأم القيم التي تحققها بإنجاب الأطفال ورعايتم – قيم احترام الحياة الجديدة والمحافظة عليها بأي ثمن، وإذا قامت الأم بدور الأمومة، ولاءً لهذه القيم التي تؤمن بها بحريتها، فتتقبل الإنسان الذي أودعته الحياة أمانة بين يديها، مهما كانت مواهبه أو إعاقته، فإن جزاؤها يكمن في إرتقاء شخصيتها، وصقلها الذي يتأتى من خلال ممارسة الرعاية المتواصلة، وما تتطلبه من تدبر وتنظيم وتعاطف مستنير لأطفالها، مثل هذه الأم تجد في شخصيتها المتكاملة، ما يغنيها عن مطالبة الأبناء بالعرفان والجميل.

إن الأم الواعية تدرك الفرق بين الحب الأموي المفتدى، والتعليق الأموي الفطري، أي بين حب الطفل والتوحد مع الطفل. ففي حالة التوحد، تتصور الأم أن طفلها قطعة من ذاتها.

 ولا تدرك أنه ينفصل عنها سيكولوجياً، بتقدم نضجه النفسي والوجداني والعقلي، وأن يحقق هذا الاستقلال مهمة شاقة، فيجب أن تشارك فيها الأم، بلا تردد لكل تتم بنجاح، مما يدفعها إلى إسقاط أمانيها وطموحها على الطفل، لا شعورياً نحو التسلط والاستبداد. هذا النوع من التوحد شائع في مجتمعنا وفي كثير من ا لمجتمعات المتخلفة حضارياً، وتظهر عواقبه بجلأ عندما يبلغ الطفل مرحلة المراهقة أو البلوغ أوعندما تبدأ حياته الزوجية.

 

حقيقة الطفل المتوحد

 للوقوف على حقيقة الطفل المتوحد نفسياً ومعرفة سماته وسلوكياته، لا بد أن نفرق بين الأطفال غير الأسوياء المصابين بالتوحد العضوي «الخلقي»، الذين يولدون وهم يعانون من إضرابات عصبية، تحد من قدراتهم العقلية للقيام بعملهم بشكل طبيعي، مما تجعلهم لا يدركون ما يفعلون وما يقولون – وهذا التوحد العضوي غالباً ما يظهر بين الأطفال في السنوات الثلاث الأولى من حياتهم، ويستمر معهم مدى الحياة، وبين الأطفال الأسوياء المتوحدين نفسياً مع أمهاتهم، ذكوراً كانوا أم إناثاً، الذين هم صناعة بيتية بامتياز، نتيجة دلالهم المفرط، فهم أطفال طبيعيون، يدركون ما يفعلون وما يقولون، لكنهم أنانيون، متواكلون، حائرون.

 وبعد زواجهم غالباً ما يفشل المتوحد نفسياً في زواجه الأول، وهذا يرجع إلى عوامل نفسية لا شعورية، فهو غير ناضج عاطفياً ، وإن تصرفه هذا، إنما يكون مرده ما اكتسبه في طفولته وتنشئته من اهتمام زائد ودلال مفرط، وبالتالي يكون عاجزاً عن تحقيق التفاهم والانسجام في حياته الزوجية، وفي عدم حسن التعامل مع والده أو اخوته أو أصدقائه وفي مكان عمله  ويلاحظ على الرجل المتوحد نفسياً مع أمه، خاصة عند ولادة الطفل الأول له، أنه كثير الشجار في الحياة الزوجية، ودائم الشكوى والانفعال لأتفه الأسباب، وغالباً ما يكون عاجزاً في اتخاذ قراراته الشخصية أو العائلية دون موافقة الأم المسبقة.

 

 التقاليد الفجة البالية

 وكم من زيجات فشلت وانتهت إلى الطلاق نتيجة ضعف شخصية المتوحد نفسياً.

وفي أحدث دراسة علمية عن الطفل المتوحد نفسياً، جاءت نتائجها، أن الأوضاع الاجتماعية في بعض الأسر المتخلفة، أو ذات التقاليد الفجة البالية، من العوامل المسؤولة أيضاً عن هذا التوحد النفسي، أو ما يعرف أحياناً «بالتعلق الأموي البدائي». فإذا تسامت الأسرة إلى قيم الأمومة الأصلية، فإن الأم الواعية، تصبح المحور الرئيس الذي ينظم حركة الأسرة ووظيفتها، وفي أن ينال كل فرد فيها قسطه من الرعاية والاهتمام، دون تمييز أو مفاضلة أو حب زائد، مما يوقظ أعمق معاني الحياة بين أفراد الأسرة المتجاوبين، دون أن تعلو الاندفاعات الأنانية فيها، أو أن تتمايز الميول بين طفل وآخر.

  قد يسأل أحدهم: كيف يمكن للأم مواجهة معضلة الطفل المتوحد نفسياً معها؟ هل يتحتم عليها أن تنظر إلى العلاقة الخاصة مع طفلها، باعتبارها تضحيات فقط؟ ألا يمكن البحث عن وسيلة مجدية وبناءة لمواجهة مخاطر هذه العلاقة الأساسية، بطريقة علمية وموضوعية لكل من الأم والطفل معاً بما يتلاءم مع قيم الحياة السوية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com