زياد الطويسي - أوراق الأشجار تواصل تساقطها، لمعة البرق وصوت الرعد وبدء تساقط المطر بهدوء جعل ليلتهما أكثر رومانسية، يكيل عليها الحكايات والقصص، تضحك وتعانقه أحيانا أخرى.
قالت: أعتقد أننا لن نطيل المكوث هنا، وأحمد ربي أننا تمكنا من عيش طقوس (بترا ليلا) قبل هطول المطر.
بدأ صوت الرعد يعلو، فأخبرها أن لبترا الوردية تاريخا حافلا في فصل الشتاء لا زالت شواهده حاضرة في المدينة، وتستطيع أن تشكل بحد ذاتها مسارا سياحيا للزوار.
..ووسط عناق ساحر، يتمثل سحر البترا، بهدوء طلبت منه إكمال الحكاية، قال:
- «أكاد أسمع مع صوت الرعد نداء شقيلة (ملكة بترا) للجند بأن لا يضيعوا قطرة ماء واحدة.
..ثم اوضح لها :
- كان للأنباط أساليب غاية في الإتقان لجمع مياه الأمطار والاستفادة منها».
..في البترا يا صغيرتي، تجدين شواهد كثيرة على إبداع العرب الأنباط في جمع مياه الأمطار والاستفادة منها في بناء حضارة عمرها من عمر الزمن، وإذا تجولت ِ في البترا الصغيرة والبيضاء ستجدين بعض آبارهم هناك..
عادت لمعة البرق وعاد ليغازلها مشبها بريق عينيها بلمعة البرق.. أكمل: «حتى مياه العيون ومنها عين موسى كان الأنباط يستغلونها ويستغلون موسم المطر في وادي موسى، لذا ترين بقايا السواقي وأنابيب الفخار تنتشر في أنحاء السيق، حيث كانت تنقل المياه للبترا..».
.. في البترا أيضا يا صغيرتي ثمة حكايات للمطر مرتبطة بحياة الإنسان المحلي، حيث حدثني بعض أدلاء السياحة بأن المدينة ظلت حتى وقت قريب تنتظر المطر لزراعة الأرض بالقمح والمحصول..
كانت عشائر المنطقة من العبيدية وبني عطا والعلايا والشرور، تستغل المطر في الزراعة وكان لقمح وادي موسى ومحصولها وثمرها نكهة خاصة ربما يحدثنا عنها بعض المسنين هنا..
أعادت عناقه ثانية، ثمّ سألت: لماذا المسنون؟! قال: «لأن أشياء كثيرة تغيرت في حياة المدينة.. وباتت حكايات المطر وذكرياته فيها تاريخا وتراثا لم يستغلا سياحيا بعد لولا أنني علمت به من بعض أدلاء السياحة والناس في البترا..».
منذ أن غزا الرومان بترا الوردية، ومنذ أن غاب صوت شقيلة وهي تقول للجند «لا تضيعوا قطرة من ماء المطر..» أصبح معظم أمطار المدينة يضيع دون أن يستفاد منه.. ومنذ أن اقتصرت نظرة الحكومات للبترا على أنها مدينة سياحية فحسب، غاب الفلاحون وباتت الأمطار تروي أرضا بلا محصول..
المشاركات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق