الأربعاء، 3 أكتوبر 2012

في عشق النوافذ واسرارها: للقلب أكثر من نافذة!

صورة

نضال حمارنة 

أنا الطفلة المولودة لكِ منذ الأزل 
قلبكِ نافذة العالم ،
باني ممالكَ الأمان 
لروحي المُسيجة بالألم .
 تلك هي مدينتي الأحب ، المدينة النافذة ، والنافذة المدينة .
 وسط بلدها ينبض بناسها وشرّاعته مفتوحة على الكون . مكان يحيَى .. ويدعو للتواصل .
هناك العديد من النوافذ منها المُشرعة أوالمغلقة أو الضيقة .. منها الرحبة أو المستطيلة . الثلجية في الأسكيمو .. السريالية عند سلفادور دالي .. السحرية في كتابات غابرييل غارسيا ماركيز .
اختُرعت النافذة كضرورة . . وفيما بعد بدأت تتشكّل تكويناتها حسب تلوّن المناخات الجغرافية ، ثم أضافت شعوب الكرة الأرضية من ثقافاتها المحلية ، وأعرافها الاجتماعية على شكل نوافذها .

 نوافذ صغيرة وضيقة !
نوافذ المدن العريقة في الأحياء القديمة تختلف عن نوافذها العصرية .. ونوافذ الأحياء المنظمة عمرانياً تختلف عن نوافذ الأحياء العشوائية . وفي المناطق الريفية تصمم النوافذ صغيرة وضيقة لأن أبواب الدور مفتوحة دائماً . 
تحفل المدن العربية العريقة بنوافذها الطولانية .. المحمية من الخارج بخشب مشبّك نافر ، لذلك أطلق عليها صفة الشبابيك المتعارف عليها لدى العامّة . تلك الشبابيك تمنح الساكن الخصوصية ، وعدم الانكشاف على الشارع دون أن تمنع عنه الهواء المتجدد ، والإطلالة على الحي ، والتمعن بالحدث الخارجي .
 أما النوافذ الحديثة أغلبها بحجم موحّد ، يغطيها الزجاج المؤطر بالألمنيوم ، ويعزلها أباجور بلاستيكي ناقل للحرارة يميل للقباحة ، يجثم على زجاجها ويكتم الضوء عن أصحابها ، وتلك النوافذ لا تختلف عن نوافذ المكاتب والمؤسسات . أما نوافذ الفيلات والدور الكبيرة فهي لاتطل بشكل مباشر على الشارع بل على الحديقة المحيطة بالبناء ، وعادة سكانها لا يأبهون .. أو ليس لديهم الوقت للدنو من النافذة ، وإلقاء نظرة على الخارج .

..لا تفتح ولا تغلق..كيف؟. 
 في بعض المدن العامرة بحركة لاتهدأ نهاراً أو ليلاً كنيويورك والقاهرة وباريس ودبي ... الخ.
 ابتدع سكانها النوافذ الزجاجية البانورامية الشاسعة بلا فواصل ولا مقابض ولا أباجورات . نوافذ ثابتة لا تفتح ولا تغلق ، وشرط إبداعها إطلالتها على مكان لا يمكن الإقامة فيه كالمحيط أو نهري النيل والسين أوالبحر الأبيض المتوسط . وهناك نوافذ ناطحات السحاب المطلة على مجموعة من الأحياء وكتل من الغيوم . استبدلت بعض المؤسسات الاقتصادية الكبرى – لتخفيف الضغط النفسي عن موظفيها – النوافذ المُشرعة بمنظر طبيعي مصور يغطي الحائط .

 أزقّة من ماء

 تتمتع مدينة البندقية – فينيسيا – الإيطالية بنوافذ مستطيلة محصّنة بأشكال فنية متنوعة ، وتطل على أزقّة بلا حجارة ، أزقّة من ماء يتهادى فيها الجندول فوق مياه النهر الرقراق .
 وقد صُنفت بعض المدن بجمال نوافذها كأمستردام وندرة زهرات التوليب المختالة على جوانبها .
النوافذ الأندلسية في جنوب إسبانيا لها عبقها الخاص وحميميتها البسيطة فهي منبثقة عن بناء مطلي بالأبيض الناصع ، زجاجها شفاف أو ملون ، إطاره الخشبي أخضر وأباجوره الخشبي أيضاً والمطلي باللون الأخضر الصنوبري ، يفتح للخارج بتدرجات ، حسب رغبة الساكن . أسفل النافذة مساحة حجرية بيضاء لزراعة الزهور والورود الملونة ، تسيجها أشكال معدنية على شكل وريقات الأشجار المخضرة . لقد جمعت النوافذ الأندلسية النمطين الدمشقي والأوروبي المتوسطي في استحداث هذا الجمال بمزج الفنون . وأظن أن السبب يعود إلى قيّم الدولة الأندلسية التي أرست مبدأ تكافؤ الفرص ،وعدم التمييز بين الأعراق والأديان . قبل أن تتبناه الأمم المتحدة في عصرنا الحديث . 
في العصر الوسيط ارتبطت النافذة بقصص العشق والهيام . كان العاشق يبحث طويلاً ليجد النافذة المُطلة على غرفة محبوبته ، ليرمي إليها وردة أو قصيدة ، ويجلس طوال الليل ينتظر ردّها ، وهو يعزف أعذب الألحان الرومانسية الشجية الملتاعة . 

نوافذ السجناء 
هناك سجينات وسجناء يعيشون بلا نوافذ ، أو تغلق نوافذهم بالأقفال والمسامير ، وقد عانت صبايا كالبراعم ونساء أمهات في الكثير من بلاد العالم ومنها بلادنا من التهميش والعزل .
 لليوم ما زلنا نسمع عن معتقلين ومعتقلات لم يعرفوا الليل من النهار وقد نما العفن فوق أجفانهم لحرمانهم من ضوء الطبيعة . وربما استحدث في بعض السجون نوافذ عالية – طاقة صغيرة للضوء – وأشهر الطاقات التي زارتها الحمامة النائحة في سجن روميّة ، فأحالت وجع أبي فراس الحمداني الأسير إلى : 
أقول وقد ناحت بقربي حمامة 
أيا جارتا لو تشعرين بحالي. 
للسجناء نوافذ تشبه أحلامهم ، يجترعون منها الأمل لرؤية العالم بلا قيد .
 فأسرى فلسطين وهم كُثر ، لا أعرف شيئاً عن أشكال نوافذ سجونهم . هل تختلف نافذة سجن مروان البرغوثي عن غيره !.
 أما المُفرج عنهم فأراهم يخرجون بلا ندم على سنوات مضت . يكابرون على الجرح برجاء الإيمان بأحقيتهم بالأرض . 
العين نافذة القلب . والبعض يرى : أن للقلب أكثر من نافذة ! 
بعد وفاة سيف الدولة أمير حلب الشهباء ، ثغر الدولة العباسية على حدود الرومان .احتدم الصراع بين اتجاهين في السلطة . أراد ابن سيف الدولة الاستئثار بالحكم ، بتحريض من أحد القادة المقربين إليه واسمه خيمارويه الفارسي . انساق الابن وقتل خاله أبا فراس الحمداني غيلة وغدراً . وحين علمت والدته بالخبر فقأت عينيها ، وهي تصرخ بوجه ابنها :» أنتَ قاتلي ، قاتل أخي ، فقأت عيْنيّ كي لا أراك بعد اليوم .»

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com