الخميس، 6 سبتمبر 2012

هل نكون مهذبين أثناء قيادتنا للسيارة ؟!

صورة

إبراهيم كشت - هذا رجلٌ يطلق زعيق بوق سيارته على نحو متواصل، مزعجٍ، مُنفِّر؛ لأن السائق الذي أمامه تأخَّر لحظة عن الانطلاق عندما أضاءت الإشارة الخضراء ، وذاك آخر يمدُّ يده من شباك سيارته بحركاتٍ عصبيّةٍ متوترةٍ ، لأن سائقاً قريباً منه انعطف ذات اليمين أو ذات اليسار فجأة ، وهذا ثالث يرسل شتائمه باللفظ والحركة والملامح لأن سيارة عمومية توقفت أمامه لتُنزل أو تُقلَّ راكباً ، وذلك شاب يافع (أو فايع) يسير خلف سيارتك بسرعة عالية ، ويقترب منك حتى ليوشك أن يصدمك ، وهو يومِضُ بالضوء العالي لأنه يرغب في أن يتجاوز عنك ولو بالإزعاج والتهديد ، وتلك امرأة أنيقة تركب سيارة فخمة ، تبدو وقد بذلتْ معظم حياتها لإقناع المجتمع بأنها راقية ، تتعرض لحادث بسيط ، فتسمع منها من الألفاظ السوقيّة ، وتشهد منها من السلوكات العدوانية ، ما يؤكد لك بأن الطبع يغلب التطبّع ، وأن القشرة تذروها هبّةُ ريح أو نسمة هواء .

حين ينحدر مستوى الذوق العام..
كم تفتقر هذه التصرفات إلى التهذيب ! .
وكم تفتقد إلى الذوق والأدب الرفيع !.
 وكم تجافي الإحساس بالجمال !.
 وكم تحمل في طياتها من دلالات تشير إلى مستوى الذوق العام ، وإلى طبيعة ثقافة المجتمع أو فئة منه ، ونظرة كل فرد فيه إلى الآخر   ولاسيما أنها سلوكات يُنظَرُ إليها على أنها عادية طبيعية ، بدليل انتقالها من السابقين إلى اللاحقين ، وتفشيها بالعدوى ، والاقتباس اللاشعوري لها من قبل الصغار عن الكبار ، والأقران عن الأقران ، ومما يدل على ذلك أن العبارات المستخدمة عند الاعتراض على سائق آخر متشابهة ، فهي تشمل شتم من عَلّمه السواقة !، و..الذي منحه الرخصة !.
 والإشارة باليد إلى الدماغ .. ثم بحركة النفي بواسطة ذات اليد كتعبير عن أن السائق الآخر لا يملك عقلاً !.  مع بعض الألفاظ الشهيرة التي لا يجوز أن تَرِدَ في مقال في صحيفة .
ومن عَجَبٍ ، أن تصرفات السائق نفسه صاحب العصبية الظاهرة ، والصبر النافد ، والحركات الممجوجة ، والشتائم المنفِّرة ، والتزمير المُسَتفِز ، يكون في كثير من الأحيان مختلفاً ، عندما يكون (مترجِّلاً) ماشياً ، فلو وافق أن توقّف أحدٌ أمامه فإنه لن يصرخ به ليفسح له الطريق ، بل ربما استأذنه بلطف ليمر ، أما عندما يقود السيارة فإنه يطلق للزمور العنان لمن تباطأ أمامه ولو لبُرهة .
 يحدث هذا مع أننا في تعاملاتنا الاجتماعية والوظيفية والمهنية لا تعني لنا الثواني والدقائق وأحياناً الساعات والأيام شيئاً ، ويغلب أن نتعامل مع المواعيد على أنها مفتوحة ، أو فضفاضة ، أو غير موجودة ، أو غير ذات قيمة .

 ماذا لو  كنتُ مكان   هذا السائق ؟
حدثني صديقٌ ذات مرة قال : (كنتُ أشعرُ بالتذمر والضيق إذا توقف سائق تكسي أو سرفيس أو باص أمامي للتحميل أو التنزيل ، فأُضطر ويضطر غيري للتوقف بسياراتهم خلفه أو التوجه يساراً لتجاوزه بصعوبة ، ثم خطر لي أن أتفكّر ، تُرى لو كنتُ مكان سائق هذا التكسي أَجمعُ رزقي ورزق عيالي من خلال مَنْ التقطُهم من ركاب ، وأمشي مسافات استهلك فيها الوقت والجهد والوقود بحثاً عن راكب ، ثم أظفر به فجأة ، فهل كنتُ سأفرِّطُ به ولا أتوقف كيلا أزعج السائقين من خلفي ؟ وحين فكّرت على هذا النحو التمستُ العذر لكل سائقٍ عمومي) ثم أضاف الصديق ذاته يقول : (وقد كان يزعجني أشخاص يقودون سياراتهم ببطء شديد في المسرب الأيمن ، حتى علمتُ من تجارب الحياة والقراءة أن مِنَ الناس من يُضطر للقيادة لتصريف شؤون حياته ، رغم إنه يعاني من خوف مرضي يجعله شديد الرهبة والحرص أثناء القيادة ، ويتباطؤ على نحو قد يزعج سواه ، غير أن الأمر ليس بيده وإرادته ، فهو مرض لا قدرة له عليه ، وبإمكاننا أن نلتمس له ولمن هو مثله العذر) .
إنها النظرة إلى الآخر إذن ، فإذا كنا ننظر إليه دائماً على أنه خصم ، أو عائق يقف في طريقنا وينبغي إزاحته ولو بالضغط والإزعاج ، وإذا كنا ننظر إليه على أنه (شيء) لسنا مضطرين للاعتراف به وتفهُّم ظروفه والإقرار بأنه قد يخطئ ، إذا كان الحال كذلك ، فسوف تتسم ردود فعلنا نحـوه دائماً بالعدوان في اللفظ والجوارح والملامح لأقل هفوة ، أو بدون هفوة ، أو لما نعتبره زللاً إذا صدر عن الآخر ومباحاً إذا صدر عنّا .
الأمر بحاجة إلى ذوق في التعامل ، وجمال في التعبير ، وعدم إفراط في الاستجابة ، واحترام وتقدير للآخر ، بوصفه إنساناً مثلنا وليس مجرد شيء أو عائق أو خصم ، فإذا انتفى ذلك ، فسوف يختلط ضجيج أبواق السيارات ، بصخب الشتائم ، والحركات العدوانية ، والتضارب بالأيدي كذلك ، وسيبدو كل ذلك عادياً ، نقرُّ به حين ينطلق عنّا ، ونرجم الآخر بحجرٍ إن بدر منه .

لا نبرر الخطأ..ولكن لا نبالغ في رد الفعل
لا يعني كل ما تقدم طبعاً تبرير خطأ السائق الغافل أو الساهم أو السادر في تأملاته ، أو خطأ من ينعطف دون أن يومئ بإشارة من غمّاز سيارته ، أو من يتوقف فجأة دون سابق إنذار ، أو مـن يختار مسرباً لا يناسب سرعته أو اتجاهه .. غير أن نَقْرَةً بسيطة على الزمور ، إن كان لا بد منها ، تكفي للتنبيه ، أما المبالغة في رد الفعل والاستجابة ، وتهويل الهفوة والهنّة والزَّلة فلا يُعبِّر إلا عن حالة اللاسواء ، الذي كثيراً ما يستدل عليه من خلال الإفراط في الاستجابة على مثير بسيط .
ثمة بلاد متقدمة ، شوارعها ربما ليست أعرض من شوارعنا ، وعدد إشاراتها الضوئية لا يزيد عن عدد ما لدينا ، بينما عدد السيارات عندهم أكثر ، وحجم الازدحام أكبر ، ونسبة الحوادث أقل ، ورغم ذلك لا تسمع لديهم صخب زعيق الزوامير والأبواق ، ولا يحملون (قنوة) أسفل كرسي السيارة أو في الصندوق الخلفي ، ولا يتبادلون الشتائم الآلية (إن جاز التعبير) واللفظية والحركية في الطرق العامة ، مع أن مواعيدهم في العمل والعلاقات الاجتماعية دقيقة ، واهتمامهم بالوقت يصل إلى قياس أجزاء الثانية أحياناً ، وحياتهم محفوفة بالإنتاج والإنجاز والإبداع والتقدم .
Kasht97@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com