الأربعاء، 5 سبتمبر 2012

تطوير الواقع يحتاج الى تطوير الوعي

صورة

إبراهيم كشت - مفاهيم الوعي ودلالاته وتجلياته بعيدة الأعماق ، شاسعة الآفاق ، متشابكة الأغصان والفروع والأوراق ، لا يمكن بحثها في مقالة، ولا تناول جوانبها ومجالاتها في (عُجالة) ، لكن ما قصدته هنا هو مجرد (الومضة) التي قد تشير إلى أهمية موضوع ما ، وتنبّه إلى تأثيره ، ولو لم تكشف كل أبعاده . وقد أردتُ على نحو خاص أن أومىء باقتضاب إلى العلاقة الوثيقة بين الوعي والواقع ، فإذا كان بعض الفلاسفة والمفكرين قد ذهبوا إلى أن تطوير الوعي يؤدي إلى تطوير الواقع .
وذهب آخرون إلى أن تطور الواقع هو الذي يؤدي إلى تطوير الوعي ، فالواضح أن العلاقات بين الوعي والواقع تبادلية ، بمعنى أن كلاً منهما يؤثر في الآخر.

أدوات الإسهام في تشكيل الوعي 
لكن حين نكون بصدد الحديث في مجالات التربية والتعليم والثقافة والأدب والفن والإعلام وما إلى ذلك من أدوات قادرة على الإسهام في تشكيل الوعي والتأثير فيه ، فلا شك أن الجانب الذي يهمّنا بشكل أكبر ، هو أثر تنمية الوعي في تنمية الواقع وتحسينه وتطويره .
يتعدى مفهوم الوعي مجرد الإحساس بالمنبهات الداخلية والخارجية ، أو مجرد إدراك الأشياء ، أو العلم بها ، ليعبّر عن حالة من شعور المرء بذاته وبما حوله ومَنْ حوله ، فالوعي إذن ينطوي على مستوى من الفهم والتنبّه واليقظة والصحو تتسم بها العمليات الذهنية في علاقتها بالذات والوجود . ولكن يبدو أن استخدام لفظ (الوعي) من قبل العامة والخاصة ، قد تجاوز هذا المفهوم النفسي ، ليضيف إليه دلالة على المعرفة والاتجاه والموقف وربما السلوك أيضاً .
وهذا ما نلمسه حين نبحث عن دلالة عبارات مثل : الوعي الاجتماعي ، الوعي السياسي ، الوعي الأمني ، الوعي الصحي ، الوعي المعلوماتي ، وغيرها . فالوعي الصحي مثلاً لا يشير إلى مجرد المعرفة السليمة بما يؤذي الصحة وما ينفعها ، أو مجرد التنبّه لذلك ، وإنما يشير أيضاً إلى نمط سلوك يدرك تلك المبادئ الصحية ويهتم بها ويراعيها .

معرفة مشاكل ذلك الواقع 
أعتقد أن أهمية الوعي تنطلق ابتداء من كونه أول خطوة من خطوات التغيير الإيجابي للواقع .
فأساس أي تغير هو إدراك وجود المشكلة ، والتنبّه إليها ، والشعور بها، والقدرة على تمييزها وتحديدها ، أي الوعي بها . وبعد ذلك يمكن الحديث عن جمع البيانات وتقصي الأسباب والبحث عن الحلول وتطبيقها ، أما حين يغيب الوعي بما فيه من فهم وتنبّه ويقظة ، فإن مجرد الإحساس بالمنبهات القائمة في الواقع ، وإدراكها والاستجابة لها ، لا يقود بالضرورة إلى معرفة مشاكل ذلك الواقع على نحو يؤدي إلى حلها ، ومن ثم إلى التغيير .
أضف إلى ذلك أن الوعي هو الذي يبعث على شعور أفراد المجتمع بالعوامل التي تدعو إلى تماسكهم ، وشعورهم بالمصالح المشتركة بينهم ، ومعرفتهم بنقاط القوة والضعف لديهم ، وكذلك بالفرص المتاحة لهم ، والتحديات التي تواجههم .
وربما كان مما تجدر ملاحظته ونحن بصدد الحديث عن الوعي ، هو أن السلوكات المتكررة المألوفة العادية الرتيبة التي نمارسها يومياً لا نحتاج فيها إلى درجة عالية من الوعي، فنحن نؤدي كثيراً من أعمالنا بشكل شبه آلي ، دون حاجة إلى تنبه وتيقظ عالي المستوى ، ويبدو أن هذا هو ما يحدث في تعاملنا مع معطيات الوجود ومجريات الواقع ، فنحن نسير ـ غالباً ـ مع المجرى العادي للأمور الاجتماعية ، بما فيها من أفكار وقيم وعادات وأعراف ، دون تنبّه وتيقظ كافٍ يتضمن الوعي اللازم لإعادة التفكير ، وتلمُّس الأخطاء ، ومعرفة المشاكل ، والشعور بما يحتاج إلى تغيير إيجابي .

 ينمو و(يُنمّى) في ظل الحرية 
وأعتقد أن الوعي ينمو و(يُنمّى) في ظل الحرية التي تسمح بإعادة النظر في الواقع ، بما في ذلك الواقع من ثقافات تنطوي على قناعات واتجاهات وقيم وأفكار وأنماط تفكير وأسلوب حياة ، حرية تسمح بطرح الأسئلة ، وتجيز النقد ، حتى لو تعلقاً بأفكار متوارثة أو مستحكمة أو متجذرة . وعندما تغيب مثل هذه الحرية يظل مستوى الوعي المتدني يدور في مكانه ويراوح في موضعه ، حتى وإن بدا للناظر كأنه قد تنامى . وينمو الوعي كذلك عندما يستند التفكير إلى منهج سليم ، يرفض الأفكار الجاهزة ، ويأبى اعتبار أي مقولة صحيحة لمجرد كونها مألوفة أو مستقرة أو معتادة أو شائعة ، ويصرُّ على أن يخضعها للمنطق والتجربة والبرهان .

 المشكلات الحقيقية القائمة 
وللمعلومات – بطبيعة الحال - تأثيرها في تنمية الوعي ، إلا أن هذا التأثير يظل محدوداً وقاصراً ، مـا لم يأخذ التعامل مع تلك المعلومات بُعداً معرفياً ، بفرزها وتصنيفها وتحليلها والاستخلاص منها ، وما لم يأخذ أيضاً بعداً فكرياً يربطها بالواقع ، على نحو يبيّن المشكلات الحقيقية القائمة في ذلك الواقع ، ويطرح البدائل والحلول ، أي يبين ما هو كائن وما يجب أن يكون ، وربما كان في ذلك ما يشير إلى أهمية تدريس الفلسفة والفكر ، والتركيز على تعليم أساليب التفكير الصحيح ، وعدم التواني عن الإشارة إلى سلبيات الواقع مع طرح البدائل الايجابية .

 تطوير الوعي ..سيكون كذلك!
و..على أساسٍ مما تقدم ، يبرز كذلك دور القيم والاهتمامات في تنمية الوعي ، فالاهتمامات المتجهة نحو العلم والفكر والبحث من شأنها زيادة الوعي وتعميقه ، أما حين تتجه الاهتمامات إلى مجرد تلبية المتطلبات اليومية العادية ، ونحو مجاراة الواقع وحسب ، وصوب صغائر الأمور دون غيرها ، فمن شأن ذلك إبقاء الوعي سطحياً ومحدوداً . ولأن تطوير الواقع يحتاج إلى تطوير الوعي ، فسيظل ذلك الواقع متناسباً في تقدّمه مع التقدم الذي يشهده الوعي ذاته ، فإذا كان تقدم الوعي زائفاً أو محدوداً أو سطحياً ، فإن تقدم الواقع سيكون كذلك.

Kasht97@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com