الأحد، 2 سبتمبر 2012

آباء يتخوفون من الشيخوخة وعقوق الأبناء


مجد جابر

عمان- "عندما أكبر هل ستخافين علي؟"، "لو مرضت هل ستعتنين بي؟"، "هل ستراعينني في كبري؟". اعتادت حنان سماع هذه الأسئلة من زوجها وهو يوجهها لابنتيه الصغيرتين، فالخوف من عدم اهتمام ورعاية أبنائه له في كبره بات يسبب له هاجسا مقلقا.
"هذه الأسئلة يطرحها على ابنتينا الصغيرتين كل يوم، ويتحقق من إجابتها أكثر من مرة، بالرغم من أنه ابن بار لوالديه، كما أننا نحرص على تربية أبنائنا بنفس الطريقة"، لهذا تبدي حنان استغرابها من قلق زوجها "غير المبرر" بنظرها.
وتقول: "في كل مرة أسأله عن سبب الخوف الذي يتملكه، يجيبني بأن الزمن اختلف وشاع فيه عقوق الوالدين، ودور العجزة، ولم تعد التربية لها علاقة بكيف ينشأ".
حال الأربعينية إيمان لا يختلف كثيرا، فمنذ أربعة أعوام عندما توفي زوجها، أصبحت تخاف كثيرا من المستقبل، ولا تعرف ما الذي سيحل بها، مبينة أن لديها أربعة أبناء صغار تبذل كل ما بوسعها لتربيتهم على بر الوالدين، وتحاول إظهار كل وسائل التكافل بينها وبين جدتهم، إلا أنها تخاف كثيرا من ألا يعتنوا بها عند كبرها.
وتقول: "تسيطر تلك الأفكار والهواجس علي كل يوم قبل أن أنام، ويحدث ذلك معي، منذ أن توفي زوجي حيث كنت أعتقد دائماً أننا سنقضي شيخوختنا سوياً، إلا أنه بعد وفاته أصبحت أفكر في مستقبلي، وماذا لو كبرت، وأصبحت ثقلا على أبنائي، وزوجاتهم اللاتي قد لا يحتملنني، أو قد يقومون بإرسالي إلى واحدة من دور العجزة".
ويزعجها ما تسمعه من قصص حول عقوق الوالدين، تدور من حولها، ما جعلها لا تكف عن التفكير بتلك الهواجس.
ولأن قضايا العقوق المنتشرة في المجتمع، وما يدور من حولنا من أحداث، أسهما في حالة الخوف التي يعيشها الآباء حالياً، يرى اختصاصي علم الاجتماع د.حسين الخزاعي، أن سبب ذلك كله المجتمع نفسه، فتحول الأردن من أسرة ممتدة الى أسرة نووية يعيش فيها الأبناء بعيدين عن الجد والجدة، ويلاحظون من والديهم إهمال التزاور، وعدم التواصل الفاعل، حيث يترسخ ذلك في أذهانهم.
كما يجد الخزاعي أن الانشغال في القضايا المعيشية عن القضايا الإنسانية، بسبب أعباء الحياة وتكاليفها، عوامل أخرى تجعل الخوف من جيل الأبناء الجديد يترسخ في أذهان الآباء.
ويشير إلى أن الخوف من العزلة التي يعانيها المجتمع الآن، مبينا أن 83 % من أفراد المجتمع الأردني يعيشون في المناطق الحضرية المعزولة عن الأسر الممتدة.
ويدعو الخزاعي إلى الحديث باستمرار أمام الأبناء عن الجد والجدة ودورهما وأهميتهما في الأسرة، ودورهما التنموي والانساني، ليكتسبوا هذه العادة.
الاختصاصي الاسري التربوي د.فتحي طعامنة، يرى أن قضية بر الأبناء لآبائهم أو عقوقهم قضية تعاملات مبنية على أساس ديني وخلقي وسلوكي، بمعنى أن الذي يسعى إلى بر آبائه يربي أبناءه على تلك المعاني، ولا تكون عنده هواجس أو خوف أن أبناءه سيعقونه.
ولا يجد طعامنة من القيام بربط الابناء بمنظومة سلوك الآباء، فاذا كانت المنظومة فيها معاني البر والإحسان والتربية الحقيقية، لبث معاني القيم، فلن يخشى أي أب من الانقلاب عليه وإهماله، مبينا أن الخوف يأتي عندما يكون الآباء غير بارين بأهاليهم، وبالتالي لن يتقبل الابناء ذلك.
ويؤكد أن غياب الأبناء عن سلوكيات الآباء وانخراطهم بسوق العمل والغربة، يجعلهم لا يقدرون ما يقدمه آباؤهم لأجدادهم، وبالتالي فان الطريق للخروج من هذا التخوف يكون بربط الأبناء بمنظومة القيم العليا كأساس لبر الوالدين. 
رئيس قسم علم النفس في جامعة عمان الأهلية د. أحمد الشيخ، يرى أن رغبة الآباء في الاستثمار في الأبناء عندما يصبحون في سن كبيرة هي طبيعة ثقافتنا الاجتماعية، وهي التي تجعل الكبار يشعرون بالأمان، حيث ترتبط فكرة عدم وجود أبناء بوجود دور عجزة، ويصبح هذا الخوف محركا لتحفيز الابناء وسؤالهم باستمرار عن المستقبل.
ويشير الى أن الأبناء واهتمامهم بوالديهم يعتمد على التنشئة الاجتماعية، التي يتعرضون لها والقيم التي تصبح راسخة، لافتا إلى أنه إذا كان الآباء ايضا يؤكدون القيم الاسرية ويحرصون على اجتماعاتهم باستمرار، فهذا سيعزز تلك الأمور عند الأبناء ويزيد قضايا التفاعل والتكافل.
ويعتبر الشيخ أن المشكلة تحدث عندما يصبح الأبناء بمنأى عن حاجة الأهل المادية والمعنوية، ما يخلق عند الآباء حالة من اليأس، وعندها يشعرون بأن استثمارهم الطويل في الأبناء فشل، ولم يحققوا في حياتهم المكسب المعنوي، ولا المالي الذي قد يحتاجه ويتوقعه الآباء من الأبناء.

majd.jaber@alghad.jo

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com