الاثنين، 14 مايو 2012

أسر تغرق بالديون لتقليد غيرها




منى أبوحمور

عمان- للتقليد الأعمى أشكال جديدة أخذت بالتفشّي في المجتمع، حيث يتقن كثيرون فنّ مراقبة الآخرين وما يقتنون أو يقبلون على فعله، حتى لو كان "بالدين"، ما أثر ذلك على الأسر التي غدا بعض أفرادها بعيدين عن مبدأ "القناعة كنز لا يفنى".
فالأربعيني حاتم العقيلي، أصابته ضائقة مالية يزداد حجمها يوما بعد يوم، جراء مجاراته، لكل ما يقوم به ابن عمه من تغييرات تتعلق به، وبأسرته حتى بات الأمر مرهقا لكلا الطرفين.
ويتحدث العقيلي بنوع من الخجل، أن تقليده لابن عمه، ليس برغبة منه، وإنما إرضاء لزوجته، التي تجد أن مستواها لا يقل عنهم، حتى أصبحت تود الحصول على كل ما يحصلون عليه.
ويبين العقيلي، أن التقليد "أمر مرهق ماديا ومعنويا"، ويسبب الكثير من المتاعب، خصوصا إذا لم يتمكن من تنفيذ طلبات زوجته في بعض الأحيان، حيث تتضخم المشكلة عند عدم ادراك زوجته لحقيقة حاجتها للأشياء التي تريد أن تقلد فيها، وبالذات عندما تنصب الأمور على الكماليات، في حين تهمش احتياجات الأسرة الحقيقية.
ويستنكر الثلاثيني سعد الحياري، تصرفات صديقه التي أصبحت "لا تطاق"، وباتت تسبب له الضيق، فما أن يرى "تغيرا على وضعي او تصرفاتي حتى يسارع إلى تقليده"، متابعا "أصبحت أعرف في كل مرة، أشتري شيئا أنه سيسارع لشراء ذاته، حتى إنه يشتري في كثير من الأحيان أشياء لا حاجة له بها".
وما يزيد الطين بلة ما قام به الخمسيني وليد الزيود، الذي كلف نفسه دينا لعشر سنوات لإقامة حفل زفاف لابنه، لأنه أراد أن يشابه ما قام به ابن عمه، لقناعته أن قيمة الشخص تأتي من قيمة الأفعال التي يقوم بها،" فالناس تقاس بأفعالها"، بحسب قوله، متجاهلا قلة الامكانات المتاحة أو حتى حجم الخسائر التي قد تلحق الأسرة.
إن الإطار العام للمجتمع، بأنه مقلد، ويسعى إلى التشابه مع الآخر، وإن كان هذا التشابه بعيدا عن الحاجات الأساسية وفق الاختصاصي الأسري الدكتور فتحي طعامنة الذي يلفت إلى أن الصور تتعدد سواء كان في اللباس، الذي يعتبر ظاهرة جلية عند النساء بغض النظر عن الامكانات المادية، وكذلك في المقتنيات المنزلية والشخصية.
ويجد طعامنة أن البعض يحمل نفسه أعباء مادية وديونا، فتضع الأسرة نفسها في مطبات الديون، مشيرا إلى وجود أنماط أكثر خطورة في التقليد، تتعلق بشكل الإنسان، حيث يلجأ إلى قضايا تحمله أعباء لا مبرر لها، ولا يقتصر التقليد على ذلك فحسب، بل يتعداه إلى المناسبات الاجتماعية.
ويؤكد ضرورة أن ينسجم الإنسان مع ذاته، وامكاناته المادية وقناعاته، التي لا بد أن تنطلق من مبدأ الرضا والقناعة، معتبرا أن التقليد يلقي بظلاله السلبية على الحياة الأسرية، إذ تفقد دورها بالاحساس بالاستمتاع بالقيمة الحقيقية للأشياء المقلدة سواء كان في الأكل، أو اللباس أو حتى المناسبات الاجتماعية، كما تحمل الاسرة العديد من التبعات المادية، التي ينتج عنها وضع الأسرة بمأزق مادي هم بغنى عنه.
ويقول طعامنة "إن الإنسان المقلد لغاية التقليد، يفقد قيمته واحترامه من قبل الآخرين، وتتلاشى مكانته في نفوس من يتعامل معهم".
من جهته يؤكد اختصاصي علم النفس الدكتور أحمد الشيخ، أن ميل الأشخاص لتقليد الآخرين على اعتباره نمطا متكررا، فهو يعكس عدم القدرة على المبادرة والشعور بالاستقلالية الذاتية، مشيرا إلى أن تقليدهم للآخرين ينبع من جهلهم لمبادئهم ومعارفهم، إذ إن الأصل أن تنطلق نشاطات الفرد من حاجاته بالدرجة الأولى.
ويؤكد أن تلك النشاطات لا تعبر عن حاجات، وإنما تشبع حاجات غير صحية تعبر عن شعور بالنقص، معتقدا أن ذلك يعزز من مكانة الإنسان الاجتماعية من خلال تقليد الآخرين، الذي يرى منهم شيئا مهما في المحيط الذي يعيش فيه "فالتقليد يجعل الشخص يستورد الرضا من مقارنة خارجية تتعلق بأشخاص يفترض أنهم نموذج في الجماعة التي يفترض أن يكون جزءا منهم"، وفق قوله.
أما اختصاصي علم الاجتماع في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين، فيشير إلى أن هناك مؤشرات يمكن الاستناد إليها لتحديد ماهية الهوية الأسرية، مثل طبيعة تقسيم العمل داخل الأسرة، الترشيد في استثمار ميزانية الأسرة، إلى جانب طبيعة العلاقة الزوجية وما يغرس لدى الأبناء من تطلعات.
ويوضح أنه في حال عدم نضوج الهوية الأسرية كما يجب، فإن هناك مؤشرات سلوكية ظاهرة، يمكن ملاحظتها مثل الاستهلاك المظهري لإنفاق جزء من دخل الأسرة دون أولوية.
ويجد محادين أن السعي وراء تقليد الآخرين، يستنزف تفكير الأسرة في عملية التقليد، والذي يتجلى أكثر بين "العدايل"، أو أبناء المنطقة، وانتقالا إلى ما هو أكبر من ذلك في المجتمع.
ويعزو محادين السبب في الإحساس بضرورة التقليد، إلى انخفاض المكانة الاجتماعية لدى الأسرة المقلدة، حيث تشعر أنه من خلال هذه السلوكات المظهرية يمكن أن تسد نقصا أو تعويضا عن هذا الاحساس المتدني بالمكانة.
ولا يتوقف الأمر على التقليد، بل قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى الاستدانة أو اللجوء إلى ممارسات مظهرية، تؤثر على أولويات الأسرة من جهة، وتعمل على زرع مثل هذا السلوك الخاطئ عند الأبناء، على اعتبارهما القدوة خصوصا في السنوات الأولى للتنشئة.
ويرى محادين، أن مثل هذه الأسر المقلدة، إنما تعيش في حالة من "الازدواجيات"، وتصادم الأدوار بداخلها، ما يتعذر على المحيطين التعامل معها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com