الخميس، 3 مايو 2012

آباء يتركون أبناءهم في مواجهة الحياة




سوسن مكحّل

عمان- يحث التربويون على ضرورة تحمل الأبناء بعض المسؤوليات لينشؤوا نشأة صالحة يقدّرون من خلالها جهد آبائهم، إلا أن بعض الأسر طبقت ذلك دون فهم عميق، فألقت بمسؤوليات عظام على كاهل أبنائها بحجة أنهم كبروا وأصبحوا قادرين على التعاطي مع مجريات الحياة.
ولأن سامر يوسف (28 عاما)، هوالأكبر بين اخوانه الثلاثة، يرى أن تربية الأبناء على مبدأ "تحمّل المسؤولية" أمر في غاية الخطورة، خصوصا اذا لم تتواءم الظروف مع الابن ليكون قادرا على تحمل مواجهتها.
ويؤكد من وحي تجربته الخاصة أن الصعوبات التي مر بها لمواجهة أمور الحياة، كانت بسبب تخلي الأهل عنه، عند انتهاء مرحلته الثانوية، " لم اتوقع ان أفاجأ من والدي الذي وجه لي كلاما بأنني الآن أصبحت رجلا، وعلى الاعتماد على نفسي"، وفق قوله.
ويعتقد أن الظروف اختلفت عن السابق، ولم يعد كافيا أن يقوم الابن بالاعتماد على ذاته، في مواجهة أمور الحياة، إذ إنه أكمل دراسته على نفقته الخاصة، بعد أن أمن وظيفة مسائية، برغم وضع والده الميسور ماديا.
ويوضّح أنه لم يتوقع أن تكون المسؤولية "بهذا الشكل"، اذ إن وقوف الأب بجانب ابنه لحين توفير الاستقرار النفسي والمادي يهيئان له مجالا  للاعتماد على نفسه في المستقبل.
شعر يوسف بغصة تجاه ما فعله والده، جعلته أقوى في كيفية مواجهة الأمور، التي كان من الممكن أن لا يمر بها، لو سانده والده ماديا، مشيرا إلى أن التربية الحسنة تكون بسؤال الابن بين الحين والآخر، عما يحتاجه وليس تركه يواجه الأمور وحده.
تعتبر العشرينية حلا وصفي، أن ترك الآباء لأبنائهم دون دعم مادي خصوصا بعد إنهائهم الدراسة أمر يعمل على تنمية قدرات الابن وتحمله للمسؤولية، مشيدة بما فعله والدها مع اشقائها.
وتقول "إن قطع الدعم المادي دون المعنوي، يعزز عند الابن أهمية التفكير بشكل جدّي بكيفية تدبر أمور الحياة، ورسم خطط مستقبلية ناجحة"، في الوقت الذي ترى فيه أن الاخفاق والفشل يعدان سبيلا للوصول إلى النجاح وتحمل المسؤولية.
وكرد الجميل تعتبر أن على الأبناء أن يشكروا آباءهم على ذلك التعامل، لأنهم وإن اخفقوا فلا بد أن يتعلموا من تلك العقبات تحمل المسؤولية، ومواجهة الصعاب التي تجعل الفرد ناضجا بنظرها أكثر.
ولا تتفق (أم وسيم)، مع (حلا)، في أن التخلي عن دعم الأبناء ماديا، يؤدي إلى نضوجهم على الدوام، إذ إنها مرت بتجربة مع ابنها الوحيد جعلتها تتخذ موقفا من أسلوب تربية الأبناء القديم بنظرها.
وتقول "إن الوضع لم يعد كما في السابق، اذ إن سوء الأوضاع الاقتصادية يؤثر على الأبناء نفسيا، خصوصا حين يدفع الأب ابنه لتحمل مسؤولية في مرحلة نضوجه وشبابه".
تجربة (أم وسيم) مريرة، حين وصلت العلاقة بين ابنها ووالده إلى القطيعة، حين فضّل الابن الهجرة إلى الولايات المتحدة دون سابق انذار، الأمر الذي شكل بالنسبة اليها صدمة نفسية رافقتها سنوات طويلة.
وتقول "كان ابني بحاجة إلى دخل لبداية مشروع يطمح به، إلا أن والده رفض تمويله رغم وضعه المادي، وعندما تدهور وضع ابني بشكل كبير، صار يفكر بالهجرة دون إخبارنا، واليوم هو متزوج ولا اعرف عنه سوى ذلك ولديه أبناء".
أما الأب الستيني عبدالله ابراهيم فيقول "عندما كنت في عمر ابني لم أكن أجد من يشجعني أو يشير الي أو ينبهني إلى أي تقصير، ولو وجدت من يعينني على ذلك، لوفرت على نفسي تعب السنين وتعلمت النجاح وحدي دون مساندة مادية من قبل أهلي، وعلى أبنائي أن يتعلموا من تجربتي".
ويتابع ابراهيم، حديثه وهو الأب لثلاثة أبناء أصغرهم 20 عاما ما يزال على مقاعد الدراسة الجامعية، أن الأمر يحمل الصعاب؛ الا أنه يعوّد الابن على تحمل المسؤولية والمواجهة بكافة الأشكال ويعلمه الصبر والثبات على النجاح، ولكن لا ضير بنظره من مساندة الأبناء ماديا، إذا اغلقت النوافذ كافة في وجههم كما يرى.
يؤكد الخبير الاجتماعي والاقتصادي حسام عايش أن تربية الأبناء يحدث فيها أحيانا بعض التطرف بالتعامل بدافع تحمل المسؤولية، كون العقود المنصرمة أكثر حزماً، ويستطيع فيها الشاب تحمل المسؤولية في سن صغيرة، ويصبح رب أسرة وهو في عمر صغير، وكان يمكن أن يعيش بحد أدنى ضمن التفاوت المادي البسيط آنذاك.
اما اليوم وفق عايش؛ فقد تغيرت الأمور؛ فالشباب يعيشون مرحلة صعبة خصوصا مع عدم  توفر الوظائف في سوق العمل وازدياد البطالة، خصوصا لحملة الشهادات الجامعية، ما يعني أن على الأهل والمجتمع أن يكونوا مستعدين لمواجهة الاحتمالات المختلفة لأبنائهم، والتي على الأغلب غير مفروشة بالورود.
وينصح عايش الأهل ألا يعتقدوا أن الاستثمار في الأبناء يكون في التعليم فقط، بل بمساندة الأبناء بالقرارات ودعمهم ماديا ومعنويا اذا توفر ذلك، للتماشي مع تغيّر المتطلبات الحياتية عما في السابق.
ومن نتائج عدم مساندة الأهل للأبناء خصوصا في القرارات واطلاعهم على كافة الأمور المالية للأسرة، أن يدفع الابن إلى التطرف أو الإنحراف والهجرة، ومشاكل قد لا تحمد عقباها أسريا ومجتمعيا كما يرى عايش.
ويشدد على ضرورة أن يعي الأهل أن مسؤولياتهم زادت ضعفين عما في السابق، بالإضافة إلى أهمية عدم ربط الأبناء بماض لا يرتبط بهم وبظروفهم المحيطة، موضحا أهمية وجود علاقة واضحة بين الابن والأب تقوم على الشفافية والانفتاح ومشاركة الأبناء بمعرفة تفاصيل المصروف العائلي، كي يشعر الابن بمسؤولية أكبر، لأن غير ذلك قد يوقع المجتمع في خطر "صراع الأجيال".
ويرى اختصاصي علم النفس دكتور خليل أبو زناد، أن على الآباء تربية أبنائهم لتحمّل المسؤولية، لأن الجيل الحالي على الأغلب ورغم اختلاف الظروف "يعتمد على الآباء بشكل أساسي".
"إلا أن أسلوب تعويد الابن على المسؤولية، يجب أن لا يكون على حساب التشدد بحيث يكون حرمانا أكثر من تعليم للمسؤولية، فلا ضير أن يساند الأب ابنه ماديا ومعنويا إذا شعر أن ابنه بحاجة لتلك المساندة"، وفق أبو زناد.
ويعتقد أن تربية الأبناء على تحمل المسؤولية لا تشكل مرضا نفسيا، إلا أنها قد تؤدي إلى عوارض نفسية، كالتفكير بالهجرة أو الحزن والاكتئاب اذا لم يساند الأهل أبناءهم معنويا على الأقل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com