الخميس، 17 مايو 2012

البحث عن الشفاء بين الفضائيات والمواقع الإعلامية



صورة

دكتور كميل موسى فرام - البحث عن العلاج والشفاء حق مقدس ومشروع والعقل البشري يصرف الجهد المتواصل ويسخر الإمكانات لاكتشاف وسائل التشخيص والعلاج وضمن أسس مهنية وأخلاقية فالأبحاث الطبية تهدف بأبسط قواعدها لرصف طريق السعادة أمام أفراد البشرية، فالحياة على كوكبنا تستحق التضحية لارتداء ثوب الصحة على أن تحصر الخدمة بأهلها.

**********
يمثل المرض بأشكاله وفصوله أحد المنعطفات والعوائق الرئيسية التي تعترض طريق السعادة البشرية للفرد، ويمثل العلاج بأصنافه ودرجاته طريقا للخلاص من الشكوى لاستعادة الصحة والعافية والتي تؤهل صاحبها لترجمة طموحاته وأحلامه بما ينسجم وطريقة تفكيره وإمكاناته.


وربما هناك حكمة وصراع في جبهة الميزان الحربي بين المرض وأصنافه وبين المبتكرات العلمية والاكتشافات التي تحجم المرض لوأده وقبل استفحاله، فمسلسل الارتباط بينهما يأخذ حلقات غير منتهية فما أن يعلن عن ولادة علاج جديد للقضاء على شكل من أشكال الأمراض الفتاكة بصحة البشرية، ليعلن بذات الوقت عن ظهور مرض جديد يهاجم صحة الإنسان وتبدأ الحرب من جديد.
 قد لا تكون الصورة المرضية بواقع اعتلال، فهناك أصناف أخرى من المشاكل الصحية والتي ينحصر علاجها بأهل الاختصاص من المعشر الطبي مثل مشكلة عدم قدرة الزوجين بتحقيق حلم الحمل والإنجاب وتمتعهما بظروف صحية مستقرة، بل وهناك جواب يغلف بركان الأمل بتشخيص الخلل عندما تستكمل مراحل الفحوصات الطبية بدرجاتها بنتيجة عدم العثور على خلل معين ليقفز السؤال السهل الصعب بعجز التفسير، على أن أذكر أيضا شكلا آخر من أشكال الخلل الصحي التي يصنعها الفرد أحيانا لنفسه بحاجته لجراحة أو علاج لزيادة الطول مثلاً أو تصغير حجم الثدي بجراحة تجميلية أو رفع الحاجبين وغيرها من أشكال البحث التي يصعب تصنيفها أو إهمالها لأن واقعها يمثل غمامة بالرؤية ويتطلب الأمر تسخير الجهود لإعادة تشكيل مفاصل الأيام بما يحقق حلم السعادة.
 
الفضائيات تنصب شراكها 

المؤسف بوسائل العلاج التي تنتشر بين أفراد المجتمع تلك الثقة التي يمنحها أصحاب الشكوى أحيانا لمراكز العلاج والأطباء أصحاب المهارات النادرة واللمسات السحرية (كما يعتقدون) من خلال شرك الوسائل الإعلامية سواء الدعائية منها أو المبرمجة مقابل الثمن خصوصا مع الانتشار الواسع وغير المنظم لوسائل الإعلام بأشكاله المختلفة سواء المكتوب منها أو المشاهد أو المسموع ودخول خطوط ابتكار جديدة تتمثل بالرسائل الخلوية ليكون الحصار باستخدام جميع مصادر السيطرة ويغذيها الحاجة كهدف وعنوان، فانعدام المسائلة وفوضى إنشاء المواقع الالكترونية وانتشار المحطات الفضائية ذات الأبعاد الاستثمارية، والتي تستغل ببعض فقراتها وبرامجها الإعلانية بطرح حلول جذرية وسحرية للشفاء بمراكز علاجية يقوم على خدمتها أصحاب خبرات مقلدة، وأجزم بالقول أنه لو كان لهؤلاء بصمات السحر الشفائي لما ارتضوا بالإعلان عن عبقريتهم على محطات التلفاز بفقرات دعائية تتوسط المسلسلات التركية ذات المستوى المنحدر من خيوط الأخلاق، فالطبيب الناجح بميزان الإبداع لخدمة الفتون الصحية لن يرض لنفسه برنامجا دعائيا مدفوع الأجر ليوقع بأصحاب الحاجة الذين يبحثون عن بصيص ضوء للخلاص من ظلام الزمن، فالنجاح المطلق سيمنح صاحبه دعاية ذاتية بين الأفراد بغير أساليب الوقوع بالشرك، حيث أن نسبة من هؤلاء يستخدمون أسماء مؤثرة مقابل الثمن للإعلان عن بطولات سرابية خصوصا مع التقدم الهائل بوسائل الدوبلاج التي تخدع بدرجة متناهية.

الاعلانات تفتقر للصدق والامانة العلمية

الجريمة المضاعفة التي تسوقها بعض الوسائل الإعلامية بقبولها نشر الإعلانات التي تتحدث عن وسائل شفائية بدون الوساطة الطبية باستخدام خلطات عشبية أو بذور محسنة معتمدة على إحصائيات تفتقر لسجلات الصدق والأمانة وربما اللجوء لاستخدام وسائل التحليل النفسي بلغة موقعة تجد العديد من قرائها بين أصحاب الحاجة أو بين الفئة التي تبحث عن الشفاء بأفق السرية ليتضاعف عدد الضحايا بشكل متصاعد بدون الردع القانوني والعقاب بعد أن افتقد هؤلاء لرصيد الضمير، فدغدغوا أحرف الصحة بوهم إعادة ترتيبها بالشكل المثالي، والمؤسف حقاً الزيادة الطردية بعددهم وتنوع وسائل الخديعة بلغة ظاهرها السحر وحقيقتها الدجل والكذب والاحتيال، والزيادة الطردية بعدد الباحثين عن الشفاء.
أفق الانتشار لمحطات التلفزة الواسعة والتي تستخدم فنون الوقيعة تتعدى حدود الوطن حيث المحطات الخاصة المنتشرة بدول الجوار وتعلن عن المراكز الشفائية بأساليب توقع أصحاب الحاجة خصوصا بفرصة تغليف العمل بسرية، فانعدام الرقابة واعتبار الفضاء الإعلامي حرية للبرامج واستضافة خبراء السحر أصحاب الانجازات خصوصا بملفات الحس الذاتي والجمالي ممزوجة بآراء مدفوعة الثمن لممثلين بالشفاء، كلها تصلح سيناريوهات لمسلسل هابط ينافس الموجود على شاشة العرض لقدرته التأثيرية بشحن الحاجة لدى الفئة المستهدفة بإعلان مدفوع الأجر وربما بنسبة معينة من الدخل المادي الذي يجنيه المركز مقابل فرص النصب التي وفرتها فرصته الإعلانية.
أصحاب الأختصاص أولى بالفتوى
لا يوجد عذر أو مبرر أبدا للبحث البشري عن فرص علاجية نتيجة مشاهدة دعاية إعلانية أو مقابلة تلفزيونية يعرض بطلها فنون السحر العلاجي أو مقابلة إذاعية ترسل بأثير الفضاء للأذان الصاغية لتسجل بسجل الضحايا، فالأصل أن يذهب من يبحث عن الشفاء أو العلاج أو صاحب الشكوى الطبية لأصحاب الاختصاص خصوصا أن عدد الأطباء في كل اختصاص لا يسمح بحصرية الخدمة العلاجية والتي كانت واقعا بخمسينات القرن الماضي، ويمكن لهؤلاء الاستفادة من خدمات الانترنت بالاطلاع على الأعراض وخطوط العلاج وفرص الاستجابة والشفاء كوسيلة مساعدة، وليس أن يكون ذلك بديلا عن أخذ المشورة من أصحابها، فهناك عدد هائل من المواقع الالكترونية التي تعتمد على التضليل والخديعة وتحتاج لوقفة قانونية وعقابية لمحاربة انتشارها لأنها لا تتقيد بأدنى معايير الأخلاق واحترام الذات، ويؤسفني أن اذكر أنه قبل سنوات كانت إحدى المحطات الإذاعية المحلية تعطى فرصة لواحد من عباقرة القدر بقدرته على وصف العلاج لأي مشكلة صحية والتي تمزج بين قشر البصل والعسل والقزحة والقرفة والتوابل وورق الخروب والنعناع والثوم ومكونات عش العصفور وغيرها من نفس القائمة بدون أدنى درجة من الاحترام لوسائل التشخيص والعلاج.
البحث عن العلاج والشفاء حق مقدس ومشروع والعقل البشري يصرف الجهد المتواصل ويسخر الإمكانات لاكتشاف وسائل التشخيص والعلاج وضمن أسس مهنية وأخلاقية فالأبحاث الطبية تهدف بأبسط قواعدها لرصف طريق السعادة أمام أفراد البشرية، فالحياة على كوكبنا تستحق التضحية لارتداء ثوب الصحة على أن تحصر الخدمة بأهلها وللحديث بقية. 

أستاذ مشارك/ كلية الطب- الجامعة الأردنية
استشاري النسائية والتوليد/ مستشفى الجامعة الأردنية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com