السبت، 12 مايو 2012

"يتم الكبار": صدمة واغتراب




سوسن مكحل

عمان- فقدان الأب أو الأم له وقعه الخاص ووجعه الطويل، ليس فقط على الطفل الصغير، فربما وقعه أكبر وأشد على أشخاص كبروا وفجأة فقدوا آباءهم، وشعروا بمعنى "اليتم" الحقيقي، الذي يصعب عليهم نسيانه وتجاوز صدمته، كونهم تعايشوا مع المتوفى لفترات طويلة.
الشعور باليتم، ليس مجرد فقدان المعيل، أو حالة تفضي إلى بؤس شديد، ويأس ممتد إلى ما بين الضلوع، بقدر ما هو حالة من الاغتراب، التي يعيشها الشخص إن كان بالغا أو عاقلا راشدا.
ولم تتجاوز رنا ناصر (40 عاما) التي توفيت والدتها منذ سنتين، الحالة "الصعبة" التي شعرت بها، وهي مرحلة النسيان كما تصفها، والتي تختلف بنظرها عن مرحلة الطفولة.
ويرتبط شعور رنا، تجاه موت والدتها، باليتم الحقيقي، على الرغم من أنها أم لثلاثة أولاد، "إلا ان فقدان الوالدة كان له أثر بالغ على حياتي كلما تذكرتها، لاني أعلم جيدا حقيقة الموت" كما تقول.
وتؤكد أنه كلما تقدم الإنسان بالعمر، يصبح فراق الأم والأب، عظيم الأثر، لأن الطفل يستطيع خلال مراحل حياته تقوية نفسه تجاوز الأمر، وخاصة أن متطلبات الحياة تفرض عليه الانشغال، أما الكبير بالسن، فتبقى ذكرى والديه مرتبطة بالعقل والقلب على الدوام، ما يجعل الأمر أصعب بالنسيان.
وما يزال يشعر رائد محسن (36 عاما) الذي فقد والده قبل 5 سنوات، أنه فقد الكثير من أمور الحياة، ولا يغنيه وجود أبناء أو أصدقاء في عمله، فهو دائما يتذكّر والده كل فترة، لانه كان مدركا ويعرف كيف يتصرف. 
ويقول محسن "لا نستطيع الاستغناء عن آبائنا وأمهاتنا، حتى حين نتزوج ونكبر، ويصبح لدينا أولاد، بل بالعكس ففي مثل هذه الحالة أشعر أن المصيبة أكبر، فكلما تذكرت والدي أذرف الدموع وكأن موته قبل يوم".
يدرك محسن، أن هذا الشعور مرتبط بمعرفة الشخص الكبير، ولمفهوم الموت، في حين يرى أن الطفل وبمجرد موت الوالد، يستطيع تجاوز الأمور ويكون لديه مفهوم النسيان مختلفا بالنسبة اليهم.
يعتبر اختصاصي الارشاد الأسري والتربوي د.محمد أبو السعود، أن الانسان البالغ أكثر قدرة على مواجهة موت أحد والديه، كونه يستطيع أن يتأقلم مع الصدمة، إذا وجد المحيط الملائم، وعرف أن حقيقة الموت، هي حق على كل إنسان، وسيمر بها الجميع.
ويرى أبو السعود أن الفرد إذا كان شخصا بالغا، عليه أن يعد لمستقبله في تحمّل الصعاب ومواجهة الأزمات، وخاصة الموت، الذي هو جزء من الأزمة التي قد يتعرض اليها بشكل مفاجئ وقد تؤثر على حياته، كذلك يفترض بالشخص الكبير الذي يتوفى أحد والديه ان يكون لديه القدرة لمنع محيطه من الأثر.
ويؤكد في هذا الصدد على دور الاقارب والأهل منع الفرد من التأثر بالصدمة بشكل كبير ومساعدته للخروج منها، من خلال الإكثار من قتل الفراغ لدى الشخص المعني، خصوصا إذا كان لديه عائلة، قد تتأثر بشكل سلبي إن لم يخرج من وضعه النفسي.
يؤكد اختصاصي علم النفس الدكتور جمال الخطيب، أن خسارة الشخص لعزيز خصوصا الأب أو الأم، يشكّل مرحلة صعبة في حياة الفرد بغض النظر عن عمره.
وحالة الفقد هذه، وفق الخطيب، يمر بها الانسان البالغ ويعتبر أن فقدانه للأب او الأم بمثابة "اليتم المعنوي" بعيدا عن فقدان الحنان بالنسبة للطفل الصغير، والذي يتأثر بشكل اكبر بالخسارة المادية وهي النوعه الثاني للصدمات.
ويرى أن الشخص البالغ يؤثر فيه الفقدان أكثر من الطفل الصغير، خصوصا لوجود الكثير من الذكريات مع الوالد أو الوالدة كما يبيّن الخطيب، مؤكدا أنه مع الوقت، يستطيع أن ينسى ويبقى الشعور بالفقدان يلازمه لفترة طويلة.
ويقول إن الكبير في العمر يعتبر أن حب والديه له "غير مشروط"، لذا عند وفاة أحدهما يشعر بأنه تقدم بالعمر بشكل كبير، نتيجة لفقدان هذه المحبة الكبيرة والتي تجعله يرى الامور بعدها بمنظور مختلف يرتبط بتحمله مسؤولية أكبر تجاه ظروف الحياة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com