الأربعاء، 7 مارس 2012

'انسان شريف': فيلم لبناني عن جرائم الشرف في... الاردن! انطلق في الصالات اللبنانية


عمون - 'القدس العربي' ـ من زهرة مرعي: 'إنسان شريف' فيلم انطلق في الصالات اللبنانية قبل أسبوع أخذ على عاتقه تقديم جريمة الشرف المنتشرة بكثرة في العديد من البلدان العربية، ضمن أسلوب درامي تشويقي جداً في حوالي الساعة والنصف من الزمن. في حكاية هذا الفيلم أن إبراهيم 'مجدي مشموشي' يلتقي صدفة بليلى 'كارولين حاتم' في بيروت، وهو من كان قد ارتكب لأجلها جريمة منذ 20 سنة في الأردن، ومن ثم لعب دور الرجل الميت وهرب متخفياً إلى لبنان، تاركاً وراءه ابناً وزوجة في اعتقادهما أنه أصبح في عداد الأموات. إنها بيروت التي تأتيها ليلى مع زوجها الأجنبي وابنتها الصبية، فيلمحها إبراهيم وينتصب ماضيه أمام ناظريه ضارباً على حناياه، خانقاً حتى أنفاسه. يلهث للقاء ليلى التي من أجلها قتل رياض، وقتلها ومات هو أيضاً في حادث ساعدته الصدفة في تدبيره لنفسه ومن ثم الهرب إلى لبنان، حيث عاش وحيداً ليس له تواصل سوى مع زبائنه وسكرتيرته.
ليلى التي 'فقدت شرفها' كان ضرورياً بحسب قانون العشيرة أن تموت، وأن يغسل الشرف وإذا بها تموت مع رياض. في لقاء ليلى وإبراهيم في بيروت تقول له 'خيي رياض مات جبان وانت متت بطل، وأنا كمان متت وتسكر الملف'. في العادة هكذا تقفل ملفات جرائم الشرف. أو تُسجل الضحية على أنها ماتت انتحاراً، وإن كان مستحيلاً تسجيل الموت على أنه انتحار، يحاكم القاتل وتكون له أسباب تخفيفية مسنة خصيصاً في قانون معد للأب والأخ والزوج في 'حال غسلهما للعار'. لكن في حالة ليلى فإن إبراهيم هو زوج شقيقتها لذلك تبدأ الأسئلة عن علاقته بجريمة الشرف هذه، ولماذا هو الذي غسل العار؟
في لقائه بليلى يعرف إبراهيم أن زوجته أسمى 'برناديت حديب' قد أصيبت بمرض السرطان. يقرر مواجهة ماضيه وأهله ليرى زوجته ويبدأ رحلة العودة إلى الأردن. قد يسأل المتابع لهذا الفيلم عن علاقة ممثلين لبنانيين ومخرج لبناني بمعالجة ملف جرائم الشرف في الأردن؟ هو سؤال مشروع قد لا تكون إجابته المقنعة في أن منتجاً أردنياً كان مقرراً مشاركته في الفيلم وأنسحب. وإن كان الأردن يسجل أعلى رقم في عدد جرائم الشرف بين الدول العربية، فهذه الجريمة موجودة في كل زمان ومكان، وهي ليست حكراً على جنسية أو دين. هي متربعة على عرش ذهبي في كل مجتمع تذوب فيه حرية الفرد لصالح الجماعة، وبخاصة النساء منهن. فوجودهن ملحق بالآخرين وليس أساس. هكذا نرى إبراهيم في مواجهة مع مجتمعه. وهكذا كان الممثلون اللبنانيون الذين تكلموا اللهجة الأردنية مقنعين جداً.
مع عودة إبراهيم إلى الأردن تبدأ الحبكة الدرامية المحكمة جداً بالانكشاف حلقة تلو الأخرى. وفي هذا الجانب تمكن المخرج جان كلود قدسي من صياغة سيناريو بالغ التشويق يترك المتلقي في حالة ترقب عالي الوتيرة. في الأردن ندرك أهمية اللحظات الأخيرة التي يمضيها إبراهيم مع زوجته أسمى. في دور أسمى الصغير أعطت الممثلة برناديت حديب شحنة فائقة الإنسانية لتلك الشخصية. وبعد وفاتها كان لابنها فريد 'شادي حداد' تعبير انفعالي رائع صدر عن شاب شكلت والدته كل وجوده. مع فريد جسّد المخرج الحزن بحركة أو مجموعة حركات تقترب من الهستيريا. كان المخرج فائق الإحساس في رسم تلك الصدمة التي أصابت فريد، وفي تجسيد تلك الوحدة الكبيرة التي خلّفها موت الأم.
وكما واجه إبراهيم ماضيه قررت ليلى أيضاً أن تواجه ماضيها، فجاءت مباشرة من لبنان إلى الأردن لزيارة قبر شقيقتها برفقة إبنتها سارة 'رنا خليل'. تلتقي سارة بفريد كقريب لها، يتحاوران كشابين رغم إنكليزية الأخير المتواضعة. تعجز سارة عن فهم معنى كلمة عار. مع مزيد من الشرح تستوعب مقاصد فريد فتسأله: هل شرف المرأة بين فخذيها؟
في هذا الفيلم حصلت مفارقتان من خارج مجتمعنا وبيئتنا. ليلى حاملة 'العار' التي يفترض أنها ماتت غسلاً له، لم يكن متاحاً أن تتزوج من رجل عربي سبقه أحدهم في إشعال عود الكبريت. هو يبحث عن 'بنت بنوت'. والسؤال الذي تطرحه ملايين النساء في الدول التي تضيق الخناق عليهن 'هل شرف المرأة بين فخذيها'؟ جاء على لسان فتاة من غير بيئتنا. فهل يعني المخرج في هاتين الواقعتين أن الأفق ما زال مقفلاً على تصنيف جريمة تسمّى بجريمة'الشرف'، لكنها كغيرها من الجرائم. والأهم من هذا وذاك كان التلقف السريع الذي كان لإبراهيم عن الرجل الذي ترك ليلى ضحية. عرف إبراهيم أن شقيقها الذي كان يفترض به قتلها غسلاً للعار، هو الفاعل فقتله. ففي لقائهما في الأردن قال إبراهيم لليلى 'أغلبية جرائم الشرف في وراها خبايا عائلية..'. تسكت ليلى لأنها تعرف تماماً ماذا فعل شقيقها رياض.
تمكن المخرج جان كلود قدسي من تقديم فيلم ناجح بكل المقاييس من القصة، إلى أماكن التصوير، إلى إدارته للمثلين. إلى اختياره لمجدي مشموشي كبطل للفيلم وك'إنسان شريف'، إلى جانب غيره من الممثلين الذين لعبوا جميعهم كأوركسترا متناغمة متجانسة في مستوى العطاء ودرجة الإنفعال وحسن التجسيد. ويمكن وصف مجدي مشموشي في دور إبراهيم بأنه القدير والقوي والبطل الحقيقي. كذلك كان شادي حداد، كارولين حاتم، حسام الصباح، والرائع محمود سعيد. كذلك حضرت في هذا الفيلم ليلى حكيم،وحمد حيدر وعايدا صبرا. وحضرت الموسيقى التصويرية كشخصية مستقلة ومعبرة من ضمن السياق وهي من تأليف توفيق فروخ.
في فيلمه الثاني الطويل بعد فيلم 'آن الأوان' تمكن جان كلود قدسي من مقاربة موضوع شائك بالكثير من الدقة، والكثير من الإتقان. 'إنسان شريف' فيلم سيعرض في الأردن وسوريا بعد مشاركته في مهرجان الدوحة. والبحث جار عن موزعين في الدول العربية الأخرى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com