الاثنين، 5 مارس 2012

الثلج "يجمد" هموم الأردنيين ويبعث الفرح في نفوسهم



ديما محبوبه

عمان- لحظة تساقط الثلج تزين المشهد العام وارتدى ثوب زفاف أبيض، واعتلت الفرحة قلوب الناس؛ أطفال وشباب ونساء ورجال، نزلوا إلى الشارع يترقبون زخات الثلج وهي تفترش الأرض، وتزين الأشجار والغصون.
في تلك اللحظات نسي الأردنيون همومهم، وغدت دقات قلوبهم تزداد بهجة بإيقاع حبات الثلج التي هطلت بعد غياب طويل، واستقبلوها بفرح، وخرجوا إلى الساحات والأماكن العامة، ليعبروا عن ابتهاجهم وفرحتهم بقدوم الثلج.
خير السماء أسعد الأردنيين، وسقى الزرع، وتجمدت بوجود الثلج الهموم والمصاعب ولو مؤقتا، فوجدت العشرينية ريما كمال، أن الفرح يسكن الاردنيين بعد أن ابتعدوا ولو قليلا عن المتاعب، حيث خرج الناس إلى الشوارع ليلعبوا في الثلج، ويبنوا الرجل الثلجي، ويمارسوا الألعاب المختلفة، كما فعلت هي.
تقول، "الناس يلعبون ويمرحون في ضاحية الرشيد، المكان الذي سكنته البهجة والفرح، وكأنهم لأول مرة يشاهدون هذا الزائر".
وتثبت تلك الحالة التي عاشها الاردنيون، وفقا لما ترى ريما، أنهم يحبون المرح والاستمتاع بالحياة، وتبعد عنهم حالة العصبية أو (الكشرة)، بالرغم من الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المحلية والعربية.
"الشعب الأردني، يبحث عن الفرح من بين أصابع اليد الواحدة"، بحسب ما يقول الثلاثيني عيسى السعيد، الذي تجول في بعض مناطق عمان خلال الثلج ليستمتع بالمناظر الخلابة. 
وأكثر ما أثار دهشة السعيد، عندما شاهد تجمعا لعدد من الشباب في إحدى الساحات الفارغة التي كانت تغطيها الثلوج البيضاء، "فقد وضعوا عددا من الكراسي، ولم يكتفوا بالجلوس واللعب والتقاط الصور، بل أعدوا الأرجيلة واستمتعوا في تلك الأجواء، وسط البرد والثلوج" وفقا لقوله.
ويعبر الشاب أحمد خليل عن سعادته، وهو يشاهد خلال جولته في العاصمة، روح التعاون والمؤاخاة بين الناس، يقول "هناك أناس لا يعرفون بعضهم بعضا، ومع ذلك كانوا يساعدون بعضهم و"يدفشون" مركباتهم لكي تعمل ويساعدون المارة إن احتاجوا لشيء، ويؤمنون لهم مستلزماتهم أيضا".
وما يثير الضحك والفرح في آن، تلك الابتكارات التي انسجمت مع حالة الثلوج، حيث كانت هناك امرأة ومعها أطفالها الثلاثة، تحمل ثلاثة أطباق كبيرة لممارسة التزلج في احدى الساحات المرتفعة، حيث بدت على محياهم الفرحة لممارسة هذه الرياضة التي يشاهدونها على التلفزيونات، بحسب أحمد.
ويعتبر اختصاصي علم الاجتماع في الجامعة الأردنية د. حسين خزاعي، بأن المواطن الأردني، يعيش حالة صعبة بسبب الضغوطات الاقتصادية والسياسية المحلية، وما تعرض له الوطن العربي في العام الماضي، لافتا إلى أن اللون الأبيض هدأ النفوس، وبعث الفرح فيها، فابتعد المواطن عن الهم والكدر ولجأ إلى اللعب في الثلج.
ويؤكد أن اللعب والمرح في الظروف الثلجية، يبعد الإنسان عن المشاكل، ويخفف من الضغوطات النفسية والمتابعات للأحداث المتعلقة بجميع المشاكل التي يمر بها الوطن العربي.
ويبين خبير التراث نايف النوايسة، أن طرق اللعب بالثلج لم تختلف كثيرا عن ذي قبل، فما يزال الناس يلعبون، ويترقبون سقوط الثلوج وتراكمه، وينسون كل الصعوبات والتحديات، أمام لحظة الفرح والبهجة.
ويحمل اللعب بالثلج، وفق النوايسة، بعدا اجتماعيا جعل منه، وسيلة لحل الخلافات العائلية، إذ كان أبناء الحي الواحد، يتعاونون مع بعضهم، ويحتفلون معا بقدوم الزائر الأبيض، ولا يتوقف الأمر عند اللعب والسهرات الجميلة المليئة بذكريات الثلج واللعب به، وما يحدث من اسقاطات مسلية خلال النهار، بل يتعاون الجيران بتفقد أحوال الكبير في السن، أو الذين لا يستطيعون الخروج من المنزل.
ويصنف النوايسة، أن اللعب بالثلوج، وصنع الرجل الثلجي، من ضمن الألعاب التراثية التي تقوي النسيج الاجتماعي الشعبي، كجانب ترفيهي، داعيا أن يبتكر الأردنيون معرضا أو مسابقة، لأفضل رجل ثلج ولمن يحسن صنعه بطريقة جميلة وغريبة خلال المرات المقبلة، من باب التغيير والعمل على تأريخ هذه اللعبة والاحتفال بها.
ويعود الخزاعي ليؤكد أن التغييرات في انماط الحياة والسكن، واضعاف الترابط الاجتماعي، لم تبعد الناس عن بعضهم مع تساقط الثلوج، "الثلوج رغم برودتها، تذيب الجمود في العلاقات الاجتماعية".
وترى التربوية رولا أبو بكر أن اللعب بالثلوج، من الطرق الجيدة لتحريك جسم الإنسان، وكذلك مساعدة الأطفال للتخلص مما اعتادوه من لعب على الأجهزة والألعاب الالكترونية، داعية العائلات إلى انتهاز موسم الثلج وتراكمه لتشجيع الصغير والكبير على الخروج اللعب والابتعاد عن الجلوس في البيت.
وتؤكد دور الاسرة في تشجيع الأطفال على معرفة ماهية هذه الألعاب، وممارستها من خلال الحديث عنها، وكيف كانوا يمارسونها ويلعبونها مع أجدادهم، ما يجعل الطفل يرغب بمعرفة الكثير عنها، ويتشوقون للعب مع ذويهم، لبناء منزل من الثلج أو رجل ثلجي.
ويفيد اللعب في الثلج الطفل، كما تقول أبوبكر، في تربية الأصدقاء، ويساعده على تنمية روح التعاون وحب المنافسة الايجابية، إلى جانب معرفة الأهالي في المنطقة الواحدة، لبناء مجتمع واحد، لافتة إلى أهمية لعب الآباء مع الأبناء لتوطيد العلاقات في الأسرة الواحدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com