السبت، 3 مارس 2012

القرنية نافذة المرء إلى العالم


عمان - تعرف القرنية بأنها العضو النبيل من العين الذي يقع في مقدمتها وهو كالنافذة التي ننظر من خلالها إلى العالم، وحتى تكون الرؤية واضحة يجب أن تكون القرنية شفافة؛ ولذلك خلقها الله بدون عروق دموية بل إن أعصابها الحسية تخلع رداءها ذلك كي لا يحجب هذا الغمد الرؤية.
وتتم تغذية القرنية بطريق غير الطريق الدموي، فهي تتغذى عبر طبقة الدمع التي تكسوها من الخارج وتعمل على تنظيفها تماماً كالماء بالنسبة لزجاج السيارة، وتتغذى أيضاً عبر السائل المائي الذي يملأ القسم الأمامي من العين ويبطن القرنية. وللقرنية قوّة إبصارية تسمى القوة الانكسارية وهي تشكّل مع القوة الإبصارية للعدسة داخل العين ما يسمى القوة الانكسارية للعين وهي المسؤولة عن تركيز خيال الجسم الذي ننظر إليه على شبكية العين. 
قد تصاب القرنية بأمراض شأنها في ذلك شأن بقية أعضاء الجسم. وقد تفقد هذه الأمراض القرنية شفافيتها فتؤثر على الرؤية إلى حد بعيد. من هذه الأمراض قرحات القرنية والتهاباتها، وحروق القرنية الكيمائية والحرارية والإشعاعية، والمراحل المتقدمة من أمراض القرنية التمددية كالقرنية المخروطية. 
عندما تكون الكثافات القرنية الناتجة عن مثل هذه الأمراض سطحية فإنه من الممكن معالجتها بكشط الطبقات السطحية المتخربة وذلك بطرق عدة أهمها وأسلمها طريقة الليزر المسمى PTK. يتم في هذه الطريقة تصوير القرنية أولا بطريقة خاصة تدعى OCT (شكل 3) من أجل تحديد عمق الكثافة تماماً لتحديد كمية الليزر التي يجب أن تطبق، ثم يتم تطبيق أشعة الليزر ضمن معايير خاصة ومساحات محددة كي تتم إزالة الأنسجة المريضة فقط وتترك الأنسجة السليمة وشأنها عندما تكون كثافات القرنية شديدة وشاملة لكل طبقات القرنية فلا بد هنا من استبدال القرنية بقرنية بديلة. 
ولهذا الاستبدال ثلاثة أنواع: النوع الأول هو استبدال كل القرنية عدا سريرها الداخلي والمسمى طبقة الخلايا البطانية، وتدعى هذه الطريقة زرع القرنية الصفيحي DALK. النوع الثاني هو استبدال كل القرنية مع سريرها الداخلي وتدعى زرع القرنية الثاقب PKP. النوع الثالث وهو الأحدث هو زرع القرنية الصناعي artificial cornea حيث تم وضع قرنية صناعية بدلاً من القرنية الطبيعية التالفة.
زرع القرنية الصفيحي Deep Anterior Lamellar Keratoplasty (DALK): يتم تسليخ القرنية عن بطانتها الداخلية وذلك بطريقتين: الأولى بالطريقة الجراحية الميكانيكية باستخدام حقن الهواء ضمن طبقات القرنية ومن ثم استئصال الطبقات الأمامية التالفة، والثانية بالطريقة الليزرية المسماة إنتراليز فمتوسيكوند LDV Femtosecond حيث يتم تسليخ الطبقات المعطوبة عن السليمة بطريقة الليزر الغازي ثم يتم إزالة الطبقات المسلخة واستبدالها.
زرع القرنية الثاقب Penetrating Keratoplasty (PKP): يتم استئصال القرنية التالفة بالكامل وتوضع قرنية طبيعية بدلاً منها.  
زرع القرنية الصناعي Artificial Cornea: تعد القرنية الطبيعية جسماً أجنبياً بالنسبة للشخص الطبيعي، فالجهاز المناعي يعد هذا العضو الوافد وكأنه عنصر يغزو الجسم، فيتحرض الجهاز المناعي ضده، ويستخدم كافة الأسلحة المضادة التي يستخدمها عندما تدخل الجراثيم إلى داخل الجسم. فيبدأ الطعم القرني الطبيعي بالتوذم وتبدأ العروق الدموية القادمة من ملتحمة العين والصلبة بالزحف باتجاه الطعم. والنتيجة ستكون رفضاً للطعم القرني وتكثفاً فيه وتشوشاً شديداً في الرؤية حيث تصبح الرؤية أسوأ مما كانت عليه قبل العملية.
يحدث رفض الطعم الطبيعي بنسبة تتراوح ما بين 20-30 % من حالات الزرع وذلك حسب وضع جسم المريض وحسب المرض القرني الأساسي الذي اضطرنا للزرع. فالمسألة لا علاقة لها بالتكنيك الجراحي أو بمهارة الجراح بل بثلاثة عوامل: مدى حيوية الطعم القرني المزروع، والمرض الأساسي المسبب لعطب القرنية، والحالة الصحية العامة للمريض. 
ومن ناحية أخرى يعد العمر عاملاً مهماً في الرفض فالأعمار الصغيرة أشد رفضاً من الأعمار الكبيرة، ولذلك فإننا نتجنب زرع القرنية عند الأطفال قدر الإمكان إلا إذا كان الأمر اضطراريا للغاية.
قد يحدث رفض الطعم القرني الطبيعي مرّة ثم نزرع طعماً آخر فيرفض مرّة أخرى وقد نزرع طعما ثالثا فيرفض من جديد، وهنا لا بد من حل بديل، ألا وهو القرنية الصناعية. والقرنية الصناعية هي طعم مصنوع إما من معدن التيتانيوم أو مصنوع من مادة لدنة تشبه مادة التفلون التي تصنع منها شرايين القلب الصناعية والطعم الأخير هو أفضل من الناحية الجمالية من الطعم المعدني. وبصرف النظر عن نوع الطعم الصناعي فإن المواد الصنعية لا تسبب ارتكاساً بالجسم المزروعة فيه، ما يعني أن نسبة الرفض تكون أقل بكثير من تلك المشاهدة في الطعوم القرنية الطبيعية.
وقد يتبادر للذهن سؤال مهم: لماذا لا نلجأ للطعوم الصناعية مباشرة بدلاً من الطعوم الطبيعية؟ والجواب ذو شقين: الشق الأول جمالي والشق الثاني مادي. فالطعم الطبيعي إذا ما تم قبوله من قبل الجسم فإنه يندمج مع العين ويصبح جزءاً منها بحيث لا يمكن لمن حول المريض أن يكتشف أن هناك طعما في القرنية بخلاف القرنية الصناعية التي تكون واضحة للعيان تماماً 
(قارن بين الأشكال السابقة)، كما أن عملية القرنية الصناعية هي أكثر كلفة من عملية الطعم الطبيعي بخمسة أضعاف.  
الدكتور إياد الرياحي 
استشاري طب وجراحة العيون:
المدير الطبي لمركز العيون الدولي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com