الخميس، 2 فبراير 2012

اضطهاد الأطفـال يسبب اعاقات دماغية

د. محمد عبد الكريم الشوبكي - مستشار الأمراض النفسية والعصبية
بسبب زيادة ظاهرة العنف ضد الأطفال والتي تتخذ طابع التصاعد العالمي بالرغم من اتساع التشريعات والمؤسسات المعنية بهذه الظاهرة الا انها لم تستطع الحد من الظاهرة فالعنف ضد الأطفال يتخذ عدة أشكال الجسدي واللفظي والجنسي والإهمال ويشكل خطورة على حياة الطفل والعائلة , والمجتمع بزيادة نسبة الجرائم , والعنف , و الامراض النفسية والعضوية , والإدمان , والبطالة , والكلفة الاقتصادية العلاجية التي  تثقل كاهل العائلة والمجتمع وتشكل آفة تدمر حياة الطفل مستقبلا والآخرين .
فالأطفال اللذين يتعرضون للاضطهاد يطورون سلوكيات ضد اجتماعية خارقة للقوانين والأعراف والتقاليد الاجتماعية , وأفكارا مدمرة لأنفسهم وللمحيطين , وذلك عبر محاولة آلية «التكيف السلبي»  مع التعنيف أي تبني أفكار ومواقف وسلوكيات شاذة ضد الاضطهاد لمحاولة الوصول الى حل في نظر الطفل حينما يكبر يشعره بالقدرة على التحكم بالواقع ومواجهة ما الَم به من الأذى وتبعد عنه الشعور بلوم الذات ان لم يفعل شيئا ما ضد وضع الاضطهاد الذي عاناه .
فالطفل في هذه الوضعية يتشوه نمطه الفكري والعاطفي والسلوكي , فتقل العلاقات الودية والعاطفية تجاه الوالدين والأخوة والمجتمع , فتزداد الاضطرابات الاجتماعية البناءة ويفتقد اكتساب المهارات البناءة اجتماعيا واقتصاديا وأكاديميا ومهنيا وأخلاقيا.
ان العنف المتكرر او المستديم ضد الأطفال يؤدي الى سهولة وديمومة الاستنفار العالي للجهاز السمبثاوي الذي يفرز الهرمونات العصبية المسؤولة عن الإقدام ( الأدرينالين و النوادرنالين ) التي تؤدي الى الإضرار بالدماغ والأجهزة الحيوية في الجسم , وحينما تكون هذه الهرمونات في مستوى أعلى من الطبيعي  تؤدي الى التهور والعنف والاستنفار لأي مثير واللجوء الى سلوكيات منحرفة كالتدخين والكحول والمخدرات والشذوذ والجرائم المتنوعة .
وكذلك التسيب الدراسي وتدني التحصيل العلمي, واضطراب التركيز والانتباه والذاكرة ,والقدرات الاستيعابية والتحليلية والتخطيط ,والوعي ,والإدراك, ومن هنا  تظهر الامراض النفسية خاصة القلق والفزع والاكتئاب, والأوجاع الجسدية والنفسية وكذلك اضطرابات النوم, وإيذاء الذات والانتحار والعزلة الاجتماعية والتأتأة وتدني القدرة على التعبير عبر الكلام والرهاب من الأمور الاعتيادية وقلق المواجهة , واضطراب الحركة الزائدة , والشذوذ الجنسي , ونقصان الذكاء  , و ظهور الامراض العضوية كارتفاع ضغط الدم ,وفقر الدم وأمراض القلب والشرايين وضعف المناعة وقصر القامة .
فالأبحاث والدراسات الواسعة  منذ عام ( 2000 ولغاية    2008  ) ( De Bellis , Thomas , Gilber , Hooper  )  تتقصى الأسباب التي تؤدي الى الاضطرابات السلوكية والاجتماعية عند هؤلاء الأطفال , فقد وجدت ان هناك ارتباطا وثيقا بين عملية اضطهاد الأطفال والتغيرات الدماغية سواءً تثبيط النمو لأجزاء هامة من الدماغ او وظائفه .
فبسبب ارتفاع مستوى الأدرنالين النوادرنالين  الناجم عن الضغوطات الاضطهادية الواقعة على الطفل خاصة وان دماغه في مرحلة نمو وتطور يؤدي الى اختلال نمو ووظائف الأجزاء الدماغية الهامة المسؤولة عن الإدراك , والقدرات الذهنية , و العواطف , والسلوك , فقد وجد  ان الجسر الرابط ( Corpus Callosum ) بين شقي الدماغ الأيمن والأيسر عند الأطفال المضطهدين  اصغر بكثير من الأطفال بنفس العمر الذين لم يتعرضوا للاضطهاد مما يؤدي الى اختلال الاتصال والتنظيم  بين شقي الدماغ , من هنا تنشأ اضطرابات العاطفة والسلوك والإدراك , وضعف تطور الترجيح العقلاني وفقدان القدرة على فهم عواطف الآخرين ومشاعرهم وضعف الشعور بالذات وتحقيق الوجود وضعف كثير من الأمور المعينة بالبصيرة واضطراب العلاقات الاجتماعية .
كما ان ناصية الدماغ ( Prefrontal Cortex  ) عند الأطفال المعرضين للاضطهاد المزمن اضعف واقل وظائفيا وتشريحيا من الذين لم يتعرضوا للاضطهاد وهذه المنطقة المسؤولة عن تنظيم العواطف والسلوك والذاكرة والأحداث .
 ووجد ان الأطفال المضطهدين يعانون من اضطراب نمو  الجزء الأيسر من الدماغ والتي تؤدي لاضطراب العمليات الذهنية خاصة الذاكرة والمزاج وهم الأكثر عرضة للمعاناة من حالات الصرع بسبب تغيرات واضطراب نمو جزء هام في الدماغ ( Limbic System )  وهذا الصرع مصحوب بأعراض مزاجية « القلق والخوف والحزن « وهم ايضا يعانون من تخطيط الدماغ غير الطبيعي ضعفي الذين لم يتعرضوا للاضطهاد وهذه التغيرات الدماغية تفسر العنف ,وإيذاء الذات .
 هذه الاكتشافات الحديثة ذات خطورة هامة ,وليعلم الآباء الذين يضطهدون أطفالهم انهم يعاكسون النمو الطبيعي النفسي والعقلي والاجتماعي والجسدي الذي يسعى إليه الطفل بشغف فطري فهم يدمرونه ويشوهونه وهم بنفس الوقت يدفعون الثمن نفسيا , واقتصاديا سواء كان ذلك بعلاج الصحة الجسدية او النفسية , والإدمان , والجرائم التي يرتكبها الطفل حينما يكبر , وفقدانه القدرات الأكاديمية  , والعمل , ودفع الثمن بالتدريس الخاص بل هم ايضا يحملون المجتمع و المؤسسات خسارة وتكلفة اقتصادية , ويضرون المجتمع من خلال انتشار العنف , والجرائم , والإدمان , والبطالة , والأمراض النفسية , والعضوية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com