الأحد، 5 فبراير 2012

اسرار التخلُّص من الشعور بالذنب

تحمل كلمة «الذنب» معنيين مختلفين على المستويين القانوني والنفسي. قانونياً، الذنب حالة تُحدَّد وفق حكم يطلقه القضاة على سلوك الفرد. أما في مجال علم النفس، فهو شعور يؤرق الفرد وقد يكون مبرراً أو غير مبرر. في هذا الإطار، يجب التمييز بين شعور الذنب الواعي وشعور الذنب غير الواعي.
في حياتنا اليومية، تطاردنا مشاعر الذنب في كل لحظة. فكيف يمكن التخلّص منها والعيش بسلام داخلي؟ ينتشر شعور الذنب على نطاق واسع بين الناس وهو يعطي طعماً مريراً للحياة. يكون هذا الشعور سليماً عندما يشكّل ردة فعل على خطأ معين، ولكنه قد يتحوّل إلى مرض مزمن يغزو حياتنا.
يحاول الناس التخلُّص من شعور الذنب بشتى الوسائل، لكنهم يفشلون غالباً. ماذا لو كان هذا الشعور الذي يسمّم حياتنا مبرراً؟ ماذا لو كان يحمل جوانب إيجابية بعيداً عن العذاب الذي يسبّبه ظاهرياً؟ هذا ما سيكتشفه كل من يقرّر التعمّق في مشاعر الذنب التي تمنح الفرد انطباعاً بأنه يملك سلطة مطلقة. بعبارة أخرى، يعني الشعور بالذنب الإحساس بالسيطرة على العالم والآخرين، بحسب تحليلات بعض علماء النفس.
عملياً، يمكن إسقاط عبء مشاعر الذنب على الآخرين. تشمل هذه المرحلة تشويه سمعة الآخر وإطلاق التهديدات ضده. هكذا يشعر الفرد المعني بأنه يرمي الخطأ على غيره ويبرر تصرفاته التي تنم عن شعور بالذنب في لاوعيه. من خلال تشويه صورة الآخر المثالية، يحمّله الفرد مسؤولية الخطأ لأنه يرى ضرورة أن يعاني الآخر مثله.
يساهم الشعور بالذنب في تجنّب الإدراك المؤلم لعجزنا عند مواجهة أحداث قاسية في الحياة. بالتالي، لا يمكن استئصال هذا الشعور عبر مكافحة الإحساس بالذنب لأن هذا الإحساس يمنح شعوراً بالحماية. سرعان ما يختفي الشعور من تلقاء نفسه في اللحظة التي يدرك فيها الفرد عجزه عن التحكّم بالآخرين.
بعد هذا التحرّر النفسي، يستطيع الفرد التمييز بين مسؤوليته ومسؤوليات الآخرين في علاقاته الإنسانية، ويكتشف حينها أنه غير مسؤول عن راحتهم. يرجع ذلك إلى واقع أن الفرد يشعر بالمسؤولية المفرطة تجاه الآخر، لذا يتعزز شعوره بالذنب حين تتّخذ الأمور منحى سلبياً. سيشعر الشخص بحرية تامة حين يتخلّص أخيراً من أعباء لا علاقة له بها.

الذنب ليس تعبيراً عن الحب
يعبّر هذا الشعور عن نزعة عنيفة تتمثّل بالميل إلى التحلّي بأقصى درجات الصدق. لكن يعني استغلال شعور الذنب وجود رغبة دفينة في جرح الآخرين وإخضاعهم. وبغض النظر عن الدوافع الحقيقية، هدف الذنب تعذيب الآخر. ما الذي يبرّر إذاً لجوء المرء إلى هذه الطريقة؟
غالباً، يتمسّك المرء بمشاعر الذنب حين يحسّ بالتهديد وبعدم تقدير أو حب الآخرين له. أو قد يشعر بالضعف بسبب خلل معين في علاقاته أو تجاربه الماضية. في هذه الحالة، يلجأ إلى مشاعر الذنب ليحاول استعادة سيطرته على الوضع. لكن لسوء الحظ، هو لن يحصل مطلقاً على مراده عن طريق الشعور بالذنب أو بث هذا الشعور في محيطه. فبدل توثيق العلاقات القائمة، قد تؤدي مهاجمة الآخرين وإلقاء اللوم عليهم إلى توسيع المسافة بين الطرفين.

في العقل اللاواعي
تطرّق سيغموند فرويد إلى موضوع الشعور بالذنب عبر دراسة ظاهرة العُصاب الوسواسي رصد فيها ثورة «الأنا» ضد الانتقادات التي تجرح «الأنا العليا». ينشأ هذا الشعور في العقل اللاواعي، ولا يمكن مقاربته إلا عبر تحليل الأفكار الهوسية حيث يتجاهل المرء الرغبات اللاواعية التي تسبّبها. بالنسبة إلى فرويد، يشكّل الشعور بالذنب عائقاً أمام نجاح العلاج النفسي، ولا وجود لأي وسيلة مباشرة لمحاربته بحسب رأيه. بل يكفي نقل هذا الشعور من اللاوعي إلى الوعي.

إدراك المشكلة
من المعروف عموماً أن الأخطاء تجرّ أخطاء أخرى. في البداية، قد لا يشعر المرء بأنه ارتكب خطأً. لكن حين يدرك تدريجاً حجم المعاناة التي سبّبها لنفسه ولغيره، يترسّخ شعور عميق وهائل بالذنب في داخله. ثم يتنامى هذا الإحساس يوماً بعد يوم، ولا يمكن لأي شيء أو شخص آخر استئصاله. وحده الشخص الذي تسبّب بهذه المشاعر يستطيع محوها.
لتحقيق ذلك، لا بد من إدراك سلسلة من الوقائع المتلاحقة. أحياناً، يحصل ذلك وسط صعوبات مادية كثيرة أو مشاكل صحية خطيرة. إنه إنذار جدي يجب أن يلحظه الشخص كي يغيّر سلوكه ويعيد استكشاف قيمته الفعلية. لا أحد يفقد قيمته الحقيقية، ولكنه ينساها ببساطة.

إراحة الضمير
غالباً، نسمع العبارة الآتية: «لقد أراح هذا الشخص ضميره». يجب التعمّق بالمعنى الحقيقي لهذه العبارة. لا يمكن إراحة الضمير إلا عبر فهم الطريق الخاطئ الذي سلكه الشخص المعني وإدراك جميع الأخطاء التي ارتكبها، والأهم هو عدم الشعور بالذنب بسبب تلك الأخطاء. يرتكب جميع الناس أخطاء كثيرة في كل مكان. هذا الوضع ليس خطيراً بحد ذاته. بل الأخطر هو التركيز على هذه الأخطاء وتغذيتها باستمرار لأنها قد تُفسد حياتك وتقلّل من احترامك لنفسك.

الحب علاج شافٍ
يجب اتباع مقاربة معاكسة تقضي ببثّ الكثير من مشاعر الحب للتعامل مع الأخطاء المرتكبة وإقناع الذات بما يلي: «لقد تصرّفتُ بهذه الطريقة ولكنني فعلت ذلك بحسب مستوى الوعي الذي تحلّيت به في تلك اللحظة. أما الآن، فقد تغيّر مستوى الوعي لدي، لذا سأغير سلوكي وسأوضح بعض الجوانب المبهمة في داخلي. أريد أن أسامح نفسي بالكامل على كل ما فعلته حتى الآن لأن بعض الأمور خرج عن سيطرتي. كان يمكن أن أغيّر مسار الأمور، ولكني عجزتُ عن ذلك في تلك الفترة. الآن وقد فهمتُ سبب تصرفاتي السابقة، أسامح نفسي بالكامل على كل أخطائي وإخفاقاتي وأسامح نفسي لأنني لم أمنح الحب الكافي لنفسي وللأشخاص الذين أحبهم».
مسامحة نفسك على العذاب الذي سبّبته للآخرين ومسامحة الآخرين على الأذى الذي سبّبوه لك، مهمة أسهل بكثير مما تتصوّر. يكفي أن تتمتّع بصدق النوايا وتفكّر بمدى صعوبة العيش من دون أن نرتكب الأخطاء بحق من نحبهم. في اللحظة التي تدرك فيها هذا الواقع، ستتخلّص من الشعور بالمسؤولية وستخرج تدريجاً من حالة الذنب التي أفسدت حياتك!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com